ومنعت العامة من ذلك لينفرد وحده، فبينما هو في ذلك إذ ابتدر أعرابي البيت! وجعل يطوف معه.
فقال الحاجب: تنح يا هذا عن وجه الخليفة! فانتهرهم الأعرابي وقال:
إن الله ساوى بين الناس في هذا الموضع، فقال: " سواء العاكف فيه والباد " فأمر الحاجب بالكف عنه، فكلما طاف الرشيد طاف الأعرابي أمامه، فنهض إلى الحجر الأسود ليقبله فسبقه الأعرابي إليه والتثمه، ثم صار الرشيد إلى المقام ليصلي فيه فصلى الأعرابي أمامه.
فلما فرغ هارون من صلاته استدعى الأعرابي، فقال الحجاب: أجب أمير المؤمنين! فقال: ما لي إليه حاجة فأقوم إليه، بل إن كانت الحاجة له فهو بالقيام إلي أولى! قال: صدق! فمشى إليه وسلم عليه، فرد عليه السلام، فقال هارون: أجلس يا أعرابي؟ فقال: ما لموضع لي فتستأذنني فيه بالجلوس!
إنما هو بيت الله نصبه لعباده، فإن أحببت أن تجلس فاجلس، وإن أحببت أن تنصرف فانصرف.
فجلس هارون وقال: ويحك يا أعرابي! مثلك من يزاحم الملوك؟ قال:
نعم وفي مستمع، قال: فإني سائلك فإن عجزت آذيتك، قال: سؤالك هذا سؤال متعلم أو متعنت؟ قال: بل سؤال متعلم، قال: اجلس مكان السائل من المسؤول! وسل وأنت مسؤول.
فقال هارون: أخبرني ما فرضك؟ قال: إن الفرض - رحمك الله - واحد، وخمسة، وسبعة عشر، وأربع وثلاثون وأربع وتسعون ومائة وثلاثة وخمسون على سبعة عشر، ومن اثنى عشر واحد، ومن أربعين واحد، ومن مائتين خمس، ومن الدهر كله واحد، وواحد بواحد.
قال: فضحك الرشيد! وقال: ويحك! أسألك عن فرضك وأنت تعد علي الحساب! قال: أما علمت أن الدين كله حساب؟ ولو لم يكن الدين