خلقه الذي خضع كل شئ لملكه وذل كل شئ لعزته واستسلم كل شئ لقدرته وتواضع كل شئ لسلطانه وعظمته وأحاط بكل شئ علمه وأحصى عدده.
فلا يؤده كبير ولا يعزب عنه صغير الذي لا تدركه أبصار الناظرين، ولا تحيط به صفة الواصفين، له الخلق والأمر والمثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم والحمد الله الذي شرع للإسلام دينا، ففضله وعظمه وشرفه وكرمه و جعله الدين القيم الذي لا يقبل غيره، والصراط المستقيم الذي لا يضل من لزمه و لا يهتد من صرف عنه.
وجعل فيه النور وبالبرهان والشفاء والبيان، وبعث به من اصطفى من ملائكته إلى من اجتبى من رسله في الأمم الخالية والقرون الماضية حتى انتهت رسالته إلى محمد المصطفى عليه السلام، فختم به النبيين وقفى به على آثار المرسلين، وبعثه رحمة للعالمين وبشيرا للمؤمنين المصدقين ونذيرا للكافرين المكذبين لتكون له الحجة البالغة وليهلك من هلك عن بينه ويحيى من حي عن بينة، وأن الله سميع عليم.
والحمد لله الذي أورث أهل بيته مواريث النبوة واستودعهم العلم والحكمة و جعلهم معدن الإمامة والخلافة وأوجب ولا يتهم وشرف منزلتهم، فأمر رسوله بمسألة أمته مودتهم، إذ يقول: (قل لا أسئلكم عليه أجرا الا المودة في القربى) وما وصفهم به من إذهابه الرجس عنهم وتطهيره إياهم في قوله: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).
ثم إن المأمون بر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عترته ووصل في أرحام أهل بيته، فرد ألفتهم وجمع فرقتهم ورأب صدعهم ورتق فتقهم وأذهب الله به الضغاين والإحن بينهم واسكن التناصر والتواصل والمودة والمحبة قلوبهم فأصبحت بيمنه وحفظه وبركته وبره وصلته أيديهم واحدة، وكلمتهم جامعة، وأهوائهم متفقة، ورعي الحقوق لأهلها ووضع المواريث مواضعها، وكافأ إحسان المحسنين وحفظ بلاء المبتلين وقرب وباعد