فحاد عنه مغضبا حيدرة * وعف والعفو شعار النجبا ولو يشأ ركب فيه زجة * تركيب مزجي كمعدي كربا وكان قد تكرر منه هذا العمل المخزي كما سيأتي، ولو كان للرجل شئ من البسالة لجبه معيريه بتعداد مشاهده، وسلقهم بلسان حديد، وهو ذلك الصلف المفوه، وفيما أمر من الحروب كان الزحف للجيش الباسل دونه، فلم يسط أمامه، وإنما كان رئيا في أمرهم يدير وجه الحيلة فيه، كما أنه كان في صفين كذلك لم يبارح سرادق معاوية وطفق يبديه دهائه إلا في موقفين سيوافيك تفصيلهما، ولذلك كله اشتهر بدهاء دون الشجاعة. قال البيهقي في [المحاسن والمساوي] 1 ص 39: قال عمرو بن العاص لابنه عبد الله يوم صفين: تبين لي هل ترى علي بن أبي طالب رضي الله عنه؟ قال عبد الله: فنظرت إليه فرأيته فقلت: يا أبه؟ ها هو ذاك على بغلة شهباء عليه قباء أبيض وقلنسوة بيضاء. قال فاسترجع وقال: والله ما هذا بيوم ذات السلاسل ولا بيوم اليرموك ولا بيوم أجنادين، وددت أن بيني وبين موقفي بعد المشرقين.
هذا هو الذي عرفه منه معاصروه، وستقف على أحاديثهم، نعم جاء ابن عبد البر بعد لأي من عمر الدهر فتهجس في " الاستيعاب " فعده من فرسان قريش وأبطالهم في الجاهلية مذكورا بذلك فيهم. ولعل ابن منير (1) المولود بعد ابن عبد البر بعشر سنين وقف على كلامه في " الاستيعاب " وحكمه ببطولة الرجل فقال في قصيدته التترية:
وأقول إن أخطأ معاوية * فما أخطأ القدر هذا ولم يغدر معاوية * ولا عمرو مكر بطل بسوءته يقاتل * لا بصارمه الذكر فإليك ما يؤثر في مواقفه حتى ترى عيه عن القحوم إلى الفوارس في مضمار النضال والدنو من نقع الحومة، وتقف على حقيقته من هذه الناحية أيضا، وتعرف قيمة كلام ابن حجر في " الإصابة " 3 ص 2 من: أن النبي صلى الله عليه وآله كان يقربه ويدنيه لمعرفته وشجاعته، ولا نسائله متى قربه وأدناه.