طالبني بعض أجلة الإخوان وأعزة الأخدان ممن كنت مشارا عندهم بالبنان في البيان، والله المنان يجازيهم عن حسن ظنونهم ويوفقنا لإسعاف سؤلهم وإنجاح مطلوبهم، أن أجمع كتابا في علم التفسير مشتملا على المهمات، مبنيا على ما وقع إلينا من نقل الاثبات وأقوال الثقات، من الصحابة والتابعين ثم من العلماء الراسخين والفضلاء المحققين المتقدمين والمتأخرين، جعل الله تعالى سعيهم مشكورا وعملهم مبرورا، استعنت بالمعبود وشرعت في المقصود، معترفا بالعجز والقصور في هذا الفن وسائر الفنون، لا كمن هو بابنه وشعره مفتون، كيف وقد قال عز من قائل: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا. ومن أصدق من الله قيلا؟ وكفى بالله وليا وكفى بالله وكيلا.
ولما كان التفسير الكبير المنسوب إلى الإمام الأفضل والهمام الأمثل، الحبر النحرير والبحر الغزير، الجامع بين المعقول والمنقول، الفائز بالفروع والأصول أفضل المتأخرين فخر الملة والحق والدين محمد بن عمر بن الحسين الخطيب الرازي تغمده الله برضوانه وأسكنه بحبوحة جنانه، اسمه مطابق لمسماه وفيه من اللطائف والبحوث ما لا يحصى، ومن الزوائد والنيوث ما لا يخفى، فإنه قد بذل مجهوده ونثل موجوده حتى عسر كتبه على الطالبين وأعوز تحصيله على الراغبين.
حاذيت سياق مرامه وأوردت حاصل كلامه، وقربت مسالك أقدامه، والتقطت عقود نظامه، من غير إخلال بشئ من الفوائد، وإهمال لما يعد من اللطائف والعوائد، وضممت إليه ما وجدت في الكشاف وفي سائر التفاسير من اللطائف المهمات، ورزقني الله تعالى من البضاعة المزجاة، وأثبت القراءات المعتبرات والوقوف المعللات، ثم التفسير المشتمل على المباحث اللفظيات والمعنويات مع إصلاح ما يجب إصلاحه، وإتمام ما ينبغي إتمامه، من المسائل الموردة