.. فآل الأمر بنا إلى إفادة المستهترين بعلوم الكتاب إبانة ما أنزل فيه من الأسباب، إذ هي أولى ما يجب الوقوف عليها وأولى ما يصرف العناية إليها، لامتناع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها، ولا يحل القول في أسباب نزول الكتاب إلا بالرواية والسماع ممن شاهد التنزيل ووقفوا على الأسباب، وبحثوا عن علمها وجدوا في الطلاب.
وقد ورد الشرع بالوعيد للجاهل في العثار في هذا العلم بالنار: أنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، أنبأ أبو الحسين [الحسن] محمد بن أحمد بن حامد العطار، أنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار، أنا ليث بن حماد، ثنا أبو عوانة عن عبد الأعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): اتقوا الحديث إلا ما علمتم، فإنه من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، ومن كذب على القرآن من غير علم فليتبوأ مقعده من النار.
والسلف الماضون رحمهم الله كانوا من أبعد الغاية احترازا عن القول في نزول الآية: أنا أبو نصر أحمد بن عبد الله المخلدي، أنا أبو عمرو بن مجيد ثنا أبو مسلم، ثنا عبد الرحمن بن حماد، ثنا أبو عمر عن محمد بن سيرين قال: سألت عبيدة السلماني عن آية من القرآن فقال: اتق الله وقل سدادا، ذهب الذين يعلمون فيما أنزل القرآن.
فأما اليوم فكل واحد يخترع للآية سببا ويخلق إفكا وكذبا، ملقيا زمامه إلى الجهالة، غير مفكر في الوعيد لجاهل سبب الآية، وذاك الذي حداني إلى إملاء الكتاب الجامع للأسباب، لينتهي إليه طالبوا هذا الشأن، والمتكلمون في نزول القرآن، فيعرفوا الصدق ويستغنوا عن التمويه والكذب، ويجدوا