وقال بتفسير [إن رحمة الله قريب من المحسنين]: (المسألة الرابعة: - لقائل أن يقول: مقتضى علم الإعراب أن يقال: إن رحمة الله قريبة من المحسنين فما السبب في حذف علامة التأنيث؟ وذكروا في الجواب عنه وجوها (الأول):
إن الرحمة تأنيثها ليس بحقيقي، وما كان كذلك فإنه يجوز فيه التذكير والتأنيث عند أهل اللغة. (الثاني) قال الزجاج: إنما قال قريب لأن الرحمة والغفران والعفو والإنعام بمعنى واحد، فقوله: إن رحمة الله قريب بمعنى إنعام الله قريب وثواب الله قريب، فأجرى حكم أحد اللفظين على الآخر. (الثالث) قال النضر بن شميل: الرحمة مصدر، ومن حق المصادر التذكير كقوله (فمن جاءه موعظة). وهذا راجع إلى قول الزجاج، لأن الموعظة أريد بها الوعظ فلذلك ذكره. قال الشاعر (إن السماحة والمروة ضمنا..) قيل:
المراد بالسماحة السخاء، وبالمروة الكرم..) (1).
وأما قول الرازي: (لأن اسم المكان إذا وقع خبرا لم يؤنث) فهو في نفسه كلام صحيح، لكنه يتنافى مع ما تقدم منه من الحكم بكون استواء التذكير والتأنيث من خصائص أفعل التفضيل، فما ذكره هنا اعتراف ببطلان دعواه الاختصاص المذكور.
وأما قوله: (وقال صاحب الكشاف على جهة التقريب..) فإن أراد من قوله (على جهة التقريب) تقريب الزمخشري المعنى المقصود إلى الأفهام فلا عائبة فيه ولا يخالف المقصود ولا ينافيه، وإن أراد نفي أن يكون ذلك المعنى هو المراد حقيقة فيكذبه قول صاحب الكشاف الذي نقله الرازي أيضا (وهو حقيقة محراكم..) فإنه يدل دلالة صريحة على أن ما ذكره على طريقة الحقيقة التي هي بالاذعان والتصديق حقيقة.