العصاة، وهو الذي كفر بالله وبتوحيده، وعبد غيره " الذي يصلى النار الكبرى " أي يلزم أكبر النيران وهي نار جهنم، والنار الصغرى نار الدنيا، وقيل: النار الكبرى هي التي في الطبقة السفلى من جهنم " لا يموت فيها " فيستريح " ولا يحيى " حياة ينتفع بها، بل صار حياته وبالا عليه يتمنى زوالها، لما هو فيه معها من فنون العقاب وألوان العذاب.
وفي قوله: " فأنذرتكم نارا تلظى " أي تتلهب وتتوقد " لا يصلها إلا الأشقى الذي كذب " بآيات الله ورسله " وتولى " أي أعرض عن الايمان " وسيجنبها " أي سيجنب النار ويجعل منها على جانب " الأتقى " المبالغ في التقوى " الذي يؤتي ماله " أي ينفقه في سبيل الله " يتزكى " يطلب أن يكون عند الله زكيا لا يطلب بذلك رئاء ولا سمعة. قال القاضي: قوله: " لا يصلها إلا الأشقى الذي كذب وتولى " لا يدل على أنه تعالى لا يدخل النار إلا الكافر على ما يقوله الخوارج وبعض المرجئة، وذلك لأنه نكر النار المذكورة ولم يعرفها، فالمراد بذلك أن نارا من جملة النيران لا يصلها إلا من هذه حاله، والنيران دركات على ما بينه سبحانه في سورة النساء في شأن المنافقين، فمن أين عرف أن غير هذه النار لا يصلها قوم آخرون؟ وبعد فإن الظاهر من الآية يوجب أن لا يدخل النار إلا من كذب وتولى وجمع بين الامرين، فلا بد للقوم من القول بخلافه لأنهم يوجبون النار لمن يتولى عن كثير من الواجبات وإن لم يكذب.
وفي قوله تعالى: " لئن لم ينته " أي إن لم يمتنع أبو جهل عن تكذيب محمد صلى الله عليه وآله وإيذائه " لنسفعن بالناصية " النون نون التأكيد الخفيفة اي لنجرن بناصيته إلى النار، وهذا كقوله: " فيؤخذ بالنواصي والاقدام " (1) ومعناه: لنذلنه ونقيمنه مقام الأذلة، ففي الاخذ بالناصية إهانة واستخفاف، وقيل: معناه: لنغيرن وجهه ونسودنه بالنار يوم القيامة، لان السفع أثر الاحراق بالنار " ناصية كاذبة خاطئة " وصفها بالكذب والخطاء بمعنى أن صاحبها كاذب في أقواله خاطئ في أفعاله، لما ذكر الجر بها أضاف