على أن الآية فيها: من كان أكرم فهو أتقى، ولا يلزمه من كان أتقى فهو أكرم لما تقرر في الميزان أن الموجبة الكلية لا تنعكس كلية إلا إذا تلازم الأتقى والأكرم كالانسان والناطق، ولا يلزم هنا لأن ظاهر الأتقى أنه مجانبة للعصيان وجائز كون الأكرم بملازمة الطاعات، فجائز وجود أحد الصفتين في شخص والأخرى في آخر.
وفي هذا نظر إذ يجوز كون الأتقى بمخالفة الأمر والنهي، فيتلازم هو والأكرم، ومن عدم عنه إحدى الصفتين عدم عنه الأخرى إلا أن يحمل الأتقى على التقى، والأكرم على الكريم، كما سلف فيفترقان.
على أن الخصم لما أسقط العلل الغائية عن أفعاله تعالى سقط احتجاجه بهذه الآية إذ ليست الكرامة معللة بالتقوى عندهم، فجاز حصولها لغير المتقي، فلا يلزم تقدم الأتقى وكيف قلتم: الأكرم مقدم، وأنتم تجوزون تقديم المفضول.
فإن قلتم هو إلزام قلنا: نلتزم به ونثبت الأفضلية لعلي بخبر الطائر، و بكونه لم يكفر قط، فكيف يجعل من مضى أكثر زمانه على الكفر أتقى منه، و بقوله تعالى: (وفضل المجاهدين على القاعدين (1)) وعلي بالاتفاق من أجهد المجاهدين، وأبو بكر من ملازمي القاعدين، ومتى كان ثبات علي أكبر فثوابه أكثر.
وقد أخرج صاحب الوسيلة عن أبي سعيد قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي: لك من الثواب ما لو قسم على أهل الأرض لوسعهم.
إن قلت: كان أبو بكر يجاهد بلسانه قلت: فعلي بلسانه وسنانه، وكانت هداية أكثر الضلال على يده.
إن قلت: فكان النبي في القاعدين، فيدخل بزعمكم في جملة المفضولين قلت:
ليس للملوك مباشرة الضروب لما فيها من فساد نظام الحروب.
وكيف يقال إن الآية نزلت في أبي بكر وقد أخرج البخاري في صحيحه عن عائشة ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن إلا أنه أنزل عذري، وبعيد أن ينزل