منها: حشو المدينة من المنافقين الذين يعضون الأنامل من الغيظ، وينتهزون الفرصة وقد وثبوا وتهيؤا للفتنة، ووافق ذلك ارتداد العرب ومن حولهم، وقد قال عليه السلام لابن دودان: لما تعجب من تقدمهم عليه كانت أثرة سخت عنها نفوس قوم وشحت عليها نفوس آخرين، فإن ترتفع عنا محن البلوى نحملهم من الحق على محصنه وإن تكن الأخرى فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، ولا تأس على القوم الفاسقين.
وقال عليه السلام للخوارج لما قالوا: كان وصيا فضيع الوصية: أنتم كفرتم وأزلتم الأمر عني وليس على الأوصياء الدعاء إلى أنفسهم لغنائم عن ذلك بنص الأنبياء عليهم، وقد نصبني النبي صلى الله عليه وآله علما، وقال: أنت بمنزلة الكعبة تؤتى ولا تأتي.
وقد روى الشعبي عن شريح بن هاني قول علي: إن عندي من نبي الله عهدا ليس لي أن أخالفه، ولو خزموا أنفي، فلما بويع لأبي بكر مسكت يدي فلما ارتد قوم خشيت ثلمة الاسلام، فبايعت لئلا يبيد الاسلام، ورأيت ذلك أعظم من فوت ولاية أيام قلائل.
وقد روى البلاذري وهو من أكبر ثقاتهم أن عليا قال لعمر: احلب حلبا لك شطره، والله ما حرصك على إمارته اليوم إلا ليؤمرك غدا.
وروى إبراهيم بطريقين أن عليا قال لبريدة ولجماعة أخر أبوا البيعة:
بايعوا إن هؤلاء خيروني أن يأخذوا ما ليس لهم، أو أقاتلهم وأفرق أمر المسلمين ويرتد الناس.
إن قالوا: هذه ونحوها أخبار آحاد قلنا: اتفقت معنا فتواترت فيه.
وبهذا يبطل ما قالوا: إنه كان يعلم بوقت وفاته، فلا معنى لتقيته مع فرط شجاعته، ففي سكوته إما بطلان عصمته، أو اعتقاده في ذلك الوقت عدم خلافته.
قلنا: لا يختص الخوف بنفسه، بل على ذريته وأهل ولايته، وذهاب دين نبيه، مع أنه وإن علم بسلامته لم يأمن من جروح بدنه، وتطويل ألمه وشينه، و من أثره الذي يلحقه من المذلة به، ما يوفي على قتله، على أن ما أعلمه النبي من بقائه كان متعلقا بعلمه بكفه عن القوم، ومداراته على أنه معارض بكف النبي