المفضل الوجه الذي يتضمن أن أو بمعنى بل وهذا الذي طعن به المفضل ليس بشئ لأنهم وان لم يشاهدوا أو يعرفوا ما هو أشد قسوة من الحجارة فصورة قسوة الحجارة معلومة لهم ويصح أن يتصوروا ما هو أشد قسوة منها وماله عليها فضل لان قدرا ما إذا عرف جاز أن يعرف ما هو أزيد منه أو أنقص لان الزيادة والنقصان إنما يضافان إلى معلوم معروف على أن الآية خرجت مخرج المثل وأراد تعالى بوصف قلوبهم بالزيادة في القسوة على الحجارة انها قد انتهت إلى حد لا تلين معه للخير على وجه من الوجوه وإن كانت الحجارة ربما لانت وانتفع بها فصارت من هذا الوجه كأنها أشد قسوة منها تمثيلا وتشبيها وقول المفضل ليس يعرفون ما هو أقسى من الحجارة لا معنى له إذا كان القول على طريق المثل. وبعد فان الذي طعن به على هذا الجواب يعرض على الوجه الذي اختاره لأنه إذا اختار أن أو في الآية بمعني بل فكيف جاز بان يخبرهم بان قلوبهم أشد قسوة من الحجارة وهم لا يعرفون ما هو أقسى من الحجارة وإذا جاز أن يقول لهم بل قلوبهم أقسى مما يعرفون من الحجارة جاز أن يخبر عن مثل ذلك بالواو فيقول قلوبهم كالحجارة التي يعرفون في القوة وهي مع ذلك تزيد عليها. فان قيل كيف يكون أو في الآية بمعنى الواو والواو للجمع وليس يجوز أن تكون قلوبهم كالحجارة أو أشد من الحجارة في حالة واحدة لان الشئ إذا كان على صفة لم يجز أن يكون على خلافها . قلنا قد أجاب بعضهم عن هذا الاعتراض بان قال ليس يمتنع أن تكون قلوبهم كالحجارة في حال وأشد من الحجارة في حال أخرى فيصح المعنى ولا يتنافى وهذا قريب ويكون فائدة هذا الجواب ان قلوب هؤلاء في بعض الأحوال مع القسوة والعدول عن تصور الحق والفكرة فيه ربما لانت بعض اللين وفي حال أخرى تكون في نهاية البعد عن الحق وكادت تصغي إلى الحق فتكون في هذا الحال كالحجارة التي ربما لانت وفي حال أخرى ربما تكون في نهاية البعد عن الحق والنفور عنه فتكون في هذا الحال أشد قسوة من الحجارة على أنه يمكن في الجواب عن هذا الاعتراض وجه آخر وقد تقدم معناه في بعض كلامنا وهو ان قلوبهم لا تكون أشد من الحجارة إلا بعد أن يكون فيها قسوة الحجارة لأن القائل إذا قال فلان أعلم من فلان فقد أخبر انه زائد عليه في العلم
(١٤٨)