(مجلس آخر 42) [تأويل آية]. إن سأل سائل عن قوله تعالى (أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض) إلى آخر الآية. فقال ما معنى اختصاص الأرض بالذكر وهم لا يفوتون الله ولا يعجزونه ولا يخرجون عن قبضته على كل حال وفي كل مكان ولم نفى الأولياء عنهم وقد نجد أهل الكفر يتولى بعضهم بعضا وينصرونهم ويحمونهم من المكاره وكيف نفى استطاعتهم للسمع والابصار وأكثرهم قد كان يسمع باذنه ويرى بعينه. الجواب قلنا أما الوجه في اختصاص الأرض بالذكر فلأن عادة العرب جارية بقولهم للمتوعد لا مهرب لك منى ولا وزر ولا نفق والوزر الجبل والنفق السرب وكل ذلك مما يلجأ إليه الخائف المطلوب فكأنه تعالى نفى أن يكون لهؤلاء الكفار عاصم منه ومانع من عذابه وان جبال الأرض وسهولها لا تحجز بينهم وبين ما يريد إيقاعه بهم كما انها تحجز عن كثير من أحوال البشر من المكاره لأن معاقل الأرض هي التي يهرب إليها البشر من المكاره ويلجؤن بها إلى الاعتصام بها عند المخاوف فإذا نفى تعالى أن يكون لهم في الأرض معقل فقد نفى المعقل من كل وجه. وأما قوله تعالى (وما كان لهم من دون الله من أولياء) فمعناه انه لا ولي لهم ولا ناصر من عذاب الله تعالى وعقابه لهم في الآخرة ولا مما يريد أيضا إيقاعه بهم في الدنيا وإن كان لهم من يحميهم من مكروه البشر وينصرهم ممن أرادهم بسوء وقد يجوز أن يكون ذلك أيضا بمعنى الأمر وإن كان مخرجه مخرج الخبر ويكون التقدير وليس لهم أن يتخذوا أولياء من دون الله بل الواجب أن يرجعوا إليه في معونتهم ونصرهم ولا يعولوا على غيره. فأما قوله عز وجل (ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون) ففيه وجوه. أحدها أن يكون المعنى يضاعف لهم العذاب بما كانوا يستطيعون السمع فلا يسمعون وبما كانوا يستطيعون الإبصار فلا يبصرون عنادا للحق وذهابا عن سبيله فأسقط الباء من كلامه وذلك جائز كما جاز في قولهم لأجزينك بما عملت ولأجزينك بما عملت ولأحدثنك بما عملت ولأحدثنك ما عملت وكما قال الشاعر
(١٤)