السن ثغرة وفي كل موضع منفرج ومنه ثغرة النحر وأراد بقوله * نال رأسي من ثغرة الهم * أي وجد الشيب من الهم فرجة دخل على رأسي منها لأن الهم يشيب لا محالة. وقوله * ما لم ينله من ثغرة الميلاد * أراد بثغرة الميلاد الوقت الذي يهجم عليه فيه الشيب من عمره لأنه يجد السبيل في ذلك الوقت إلى الحلول برأسه فجعله ثغرة من هذا الوجه فأراد ان الشيب حل برأسه من جهة همومه وأحزانه ما لم يبلغ السن التي توجب حلوله به من حيث كبره. [قال الشريف المرتضى] رضي الله عنه ورأيت الآمدي يطعن على قوله * عمرت مجلسي من العواد * ويقول لا حقيقة لهذا ولا معنى لإنا ما رأينا ولا سمعنا أحدا جاءه عواده يعودونه من المشيب ولا أن أحدا أمرضه الشيب ولا عزاه المعزون عن الشباب وهذا من الآمدي قلة بصر في نقد الشعر وضعف بصره بدقيق معانيه التي يغوص عليها حذاق الشعراء ولم يرد أبو تمام بقوله * عمرت مجلسي من العواد * العيادة الحقيقة التي يغشى فيها العواد مجالس المرضى وذوي الأوجاع وإنما هذه استعارة وتشبيه وإشارة إلى الغرض خفية فكأنه أراد أن شخص الشيب لما زارني كثر المتوجعون لي والمتأسفون على شبابي والمتفجعون من مفارقته فكأنهم في مجلسي عواد لي لان من شأن العائد للمريض أن يتوجع ويتفجع وكنى بقوله * عمرت مجلسي من العواد * عن كثرة من تفجع وتوجع من مشيبه وهذا من أبي تمام كلام في نهاية البلاغة والحسن وما المعيب إلا من عابه وطعن عليه ونحن نذكر في المجلس الآتي ما للبحتري في هذا المعنى بمشيئة الله وعونه إن شاء الله (مجلس آخر 47) [تأويل آية]. إن سأل سائل عن قوله تعالى (هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون). فقال إذا كان الشجر ليس ببعض للماء كان كما الشراب بعضا له فكيف جاز أن يقول تعالى ومنه شجر بعد قوله منه شراب وما معني تسيمون وهل الفائدة في هذه اللفظة هي الفائدة في قوله (والخيل المسومة)
(٧٠)