العربية لأنهم لا يستحسنون اضمار لا في مثل هذا الموضوع. فأما قوله تعالى حاكيا عنه (لئن بسطت إلئ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك). فقال قوم من المفسرين ان القتل على سبيل الانتصار والمدافعة لم يكن مباحا في ذلك الوقت وان الله تعالى أمره بالصبر عليه وامتحنه بذلك ليكون هو المتولي للانتصاف. وقال آخرون بل المعنى ان بسطت إلئ يدك مبتدئا ظالما لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك على وجه الظلم والابتداء فكأنه نفى عن نفسه القتل القبيح وهو الواقع على سبيل الظلم. والظاهر من الكلام بغير ما ذكر من الوجهين أشبه لأنه تعالى خبر عنه انه وان بسط أخوه إليه يده ليقتله لا يبسط يده ليقتله أي وهو مريد لقتله ومجر إليه لأن هذه اللام بمعنى كي وهي منبئة عن الإرادة والغرض ولا شبهة في حظر ذلك وقبحه ولان المدافع إنما تحسن منه المدافعة للظالم أو طلب التخلص منه من غير أن يقصد إلى قتله والاضرار به ومتي قصد ذلك كان في حكم المبتدى بالقتل في أنه فاعل القبيح والعقل شاهد بوجوب التخلص من المضرة بأي وجه تمكن منه بعد أن يكن غير قبيح. فإن قيل فكأنكم تمنعون من حسن امتحان الله تعالى بالصبر على ترك الانتصار والمدافعة ووجوبهما على كل حال. قلنا لا يمتنع من ذلك وإنما بينا ان الآية غير مقتضية لتحريم المدافعة والانتصاف على ما ذهب إليه قوم لان قوله لأقتلنك يقتضى أن يكون البسط لهذا الغرض والمدافعة لا يقتضى ذلك ولا يحسن من المدافع أن يجري بها إلى ضرب فلا دلالة في الآية على تحريم المدافعة ووجب أن يكون ما ذكرناه أولي بشهادة الظاهر [تأويل خبر]. إن سأل عن معنى الخبر الذي رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنه قال لا يموت لمؤمن ثلاثة من الأولاد فتسمه النار الا تحلة القسم . الجواب قلنا أما أبو عبيد القاسم بن سلام فإنه قال يعنى بتحلة القسم قوله تعالى (وان منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا) فكأنه عليه الصلاة والسلام قال لا يرد النار إلا بقدر ما يبر الله قسمه. وأما ابن قتيبة فإنه قال في تأويل أبى عبيد هذا مذهب حسن من الاستخراج إن كان هذا قسما. قال وفيه مذهب آخر أشبه بكلام العرب ومعانيهم وهو ان العرب إذا أرادوا تقليل مكث الشئ وتقصير مدته شبهوه بتحلة
(١٣٨)