مجلس آخر 52 [تأويل آية]. إن سأل سائل عن قوله تعالى (وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) إلى قوله (الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون). فقال ما تأويل هذه الآيات وهل البقرة التي نعتت بهذه النعوت هي البقرة المرادة باللفظ الأول والتكليف واحد والمراد مختلف أو التكليف متغاير. الجواب قلنا أهل العلم في تأويل هذه الآية مختلفون بحسب اختلاف أصولهم فمن جوز تأخير البيان عن وقت الخطاب يذهب إلى أن التكليف واحد وان الأوصاف المتأخرة هي للبقرة المتقدمة وإنما تأخر البيان عن وقت الخطاب ولما سئل القوم عن الصفات ورد البيان شيئا بعد شئ ومن لم يجوز تأخير البيان يقول إن التكليف متغاير وانهم لما قيل لهم اذبحوا بقرة لم يكن المراد منهم إلا ذبح أي بقرة شاؤوا من غير تعيين بصفة ولو أنهم ذبحوا أي بقرة اتفقت كانوا قد امتثلوا الأمر فلما لم يفعلوا كلفوا ذبح بقرة لا فارض ولا بكر ولو ذبحوا ما اختص بهذه الصفة من أي لون كان لأجزأ عنهم فلما لم يفعلوا كلفوا ذبح بقرة صفراء فلما لم يفعلوا كلفوا ذبح ما اختص بالصفات الأخيرة. ثم اختلف هؤلاء من وجه آخر فمنهم من قال في التكليف الأخير انه يجب أن يكون مستوفيا لكل صفة تقدمت حتى تكون البقرة مع أنها غير ذلول تثير الأرض ولا تسقى الحرث مسلمة لاشية فيها صفراء فاقع لونها ولا فارض ولا بكر فمنهم من قال إنما يجب أن يكون بالصفة الأخيرة فقط دون ما تقدم فظاهرها ما تقدم الكتاب بالقول الأول أشبه وهو المبنى على جواز تأخير البيان وذلك أنه تعالى لما كلفهم ذبح بقرة قالوا للرسول عليه الصلاة والسلام (ادع لنا ربك يبين لنا ما هي) فلا يخلوا قولهم ما هي من أين يكون كناية عن البقرة المتقدم ذكرها أو عن التي أمروا بها ثانيا على قول من يدعي ذلك وليس يجوز أن يكونوا سألوا عن الصفة التي تقدم ذكرها لأن الظاهر من قولهم ما هي بعد قوله لهم اذبحوا بقرة يقتضى أن يكون السؤال عن صفة البقرة المأمور بذبحها لأنهم لا علم لهم بتكليف ذبح بقرة أخرى فيستفهموا عنها وإذا صح أن السؤال إنما كان عن صفة البقرة المنكرة التي أمروا في الابتداء بذبحها فليس يخلو قوله إنها بقرة
(١٢٥)