ومنه قول الشاعر لما رأيت نبطا أنصارا * شمرت عن ركبتي ألإزارا * كنت لها من النصارى جارا أراد وكنت لها فأضمر الواو. وثالثها أن يكون القول خرج مخرج الدعاء إلا أن معناه التعليم من الله تعالى لنا والتأديب فكأنه تعالى وقفنا على الدعاء عليهم وعلمنا ما ينبغي أن نقول فيهم كما علمنا الاستثناء في غير هذا الموضع بقوله (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين) وكل ذلك واضح والمنة لله [تأويل خبر]. إن سأل سائل عن الخبر الذي روى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده. الجواب قلنا قد تعلق بهذا الخبر صنفان من الناس فالخوارج تتعلق به وتدعى ان القطع يجب في القليل والكثير ويستشهد على ذلك بظاهر قوله تعالي (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) ويتعلق بهذا الخبر أيضا الملحدة والشكاك ويدعون انه مناقض للرواية المتضمنة انتفاء القطع إلا في ربع دينار ونحن نذكر ما فيه. فأول ما نقوله إن الخبر مطعون فيه عند أصحاب الحديث وعلى اسناده أيضا طعن وقد حكى ابن قتيبة في تأويله وجها عن يحيي بن أكثم طعن عليه وضعفه وذكر عن نفسه وجها آخر نحن نذكرهما وما فيهما ونتبعهما بما نختاره. قال ابن قتيبة كنت حضرت يوما مجلس يحيي بن أكثم بمكة فرأيته يذهب إلى أن البيضة في هذا الحديث بيضة الحديد التي تغفر الرأس في الحرب وان الحبل من حبال السفن قال وكل واحد من هذين يبلغ ثمنه دنانير كثيرة. قال ورأيته يعجب بهذا التأويل ويبدى فيه ويعيد ويرى أنه قطع به حجة الخصم. قال ابن قتيبة وهذا إنما يجوز على من لا معرفة له باللغة ومخارج الكلام وليس هذا موضع تكثير لما يأخذه السارق فيصرفه إلى بيضة تساوى دنانير وحبل لا يقدر السارق على حمله ولا من عادة العرب والعجم أن يقولوا قبح الله فلانا عرض نفسه للضرر في عقد جوهر وتعرض لعقوبة الغلول في جراب مسك وإنما العادة جارية
(٩٣)