قيل فأي فائدة في أن يأمرهم بأن يخبروا عن ذلك بشرط أن يكونوا صادقين وهو عالم بأنهم لا يتمكنون من ذلك لفقد علمهم به. قلنا لمن ذهب إلى الأصل الذي ذكرناه أن يقول لا يمتنع أن يكون الغرض في ذلك هو أن يكشف باقرارهم وامتناعهم من الإخبار بالأسماء ما أراد تعالى بيانه من استئثاره بعلم الغيب وانفراده بالاطلاع على وجوه المصالح في الدين. فان قيل فهذا يرجع إلى الجواب الذي تذكرونه من بعد. قلنا هو وان رجع إلى هذا المعنى فبينهما فرق من حيث كان هذا الجواب على تسليم ان الآية تضمنت الأمر والتكليف الحقيقيين والجواب الثاني لا نسلم فيه ان القول أمر على الحقيقة فمن ههنا افترقا. والوجه الثاني أن يكون الأمر وإن كان ظاهره أمر فغير أمر على الحقيقة بل المراد به التقرير والتنبيه على مكان الحجة وقد يرد بصورة الأمر ما ليس بأمر والقرآن والشعر وكلام العرب مملوء بذلك وتلخيص هذا الجواب ان الله تعالى قال للملائكة (إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك فقال إني أعلم ما لا تعلمون) أي إني مطلع من مصالحكم وما هو أنفع لكم في دينكم على ما لا تطلعون عليه ثم أراد التنبيه على أنه لا يمتنع أن يكون غير الملائكة مع أنها تسبح وتقدس وتطيع ولا تعصى أولى بالاستخلاف في الأرض وإن كان في ذريته من يفسد ويفسك الدماء فعلم تعالى آدم عليه الصلاة والسلام أسماء جميع الأجناس أو أكثرها وقيل أسماء النبي محمد صلى الله عليه وآله والأئمة من ولده وسلم وفيه أحاديث مروية ثم قال تعالى للملائكة أنبؤوني بأسماء هؤلاء مقررا لهم ومنبها على ما ذكرناه ودالا على اختصاص آدم عليه الصلاة والسلام بما لم يخصوا به فلما أجابوه بالاعتراف والتسليم إليه علم الغيب الذي لا يعلمونه فقال تعالى (ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون) منبها على أنه تعالي هو المتفرد بعلم المصالح في الدين وان الواجب على كل مكلف أن يسلم لأمره تعالى ويعلم انه لا يختار لعباده إلا ما هو أصلح لهم في دينهم علموا وجه ذلك أم جهلوه وعلى هذا الجواب يكون قوله تعالى (ان كنتم صادقين) محمولا على كونهم صادقين في العلم بوجه المصلحة في نصب الخليفة أو في ظنهم انهم يقومون بما يقوم به هذا
(١٥٦)