الله رب العالمين إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك الآية). فقال كيف يجوز أن يخبر تعالى عن هابيل وقد وصفه بالتقوى والطاعة بأنه يريد أن يبوء أخوه بالإثم وذلك إرادة القبيح وإرادة القبيح قبيحة عندكم على كل حال ووجه قبحها كونها إرادة لقبيح وليس قبحها مما يتغير وكيف يصح أن يبوء القاتل بإثمه وإثم غيره وهل هذا الا ما يأبونه من أخذ البرئ بجرم السقيم. الجواب قلنا جواب أهل الحق عن هذه الآية معروف وهو ان هابيل لم يرد من أخيه قبيحا ولا أراد أن يقتله وإنما أراد ما خبر الله تعالى به عنه من قوله (إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك) أي تبوء بجزاء ما قدمت عليه من القبيح وعقابه وليس بقبيح أن يريد نزول العقاب المستحق بمستحقه ونظير قوله إثمي مع أن المراد به عقوبة إثمي الذي هو قتلى قول القائل عمن يعاقب على ذنب جناه هذا ما كسبت يداك والمعني هذا جزاء ما كسبته يداك وكذلك قولهم لمن يدعون عليه لقاك الله عملك وستلقى علمك يوم القيامة معناه ما ذكرناه. فان قيل كيف يجوز أن يحسن رادة عقاب غير مستحق لم يقع سببه لان القتل على هذا القول لم يكن واقعا. قلنا ذلك جائز بشرط وقوع الأمر الذي يستحق به العقاب فهابيل لما رأى من أخيه التصميم على قتله والإضمار والعزم على إمضاء القبيح فيه وغلب على ظنه وقوع ذلك جاز أن يريد عقابه بشرط أن يفعل ما هم به وعزم عليه. فأما قوله إثمي وإثمك فالمعنى فيه واضح لأنه أراد بإثمي عقاب قتلك لي وباثمك أي عقاب المعصية التي أقدمت عليها من قبلي فلم يتقبل قربانك لسببها لان الله تعالى أخبر عنهما بأنهما قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر وان العلة في أن قربان أحدهما لم يتقبل انه غير متق وليس يمتنع أن يريد بإثمي ما ذكرناه لأن الإثم مصدر والمصادر قد تضاف إلى الفاعل والمفعول جميعا وذلك مستعمل مطرد في القرآن والشعر والكلام فمثال ما أضيف إلى الفاعل. قوله تعالى (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض) ومن اضافته إلى المفعول. قوله تعالى (لا يسأم الانسان من دعاء الخير وان مسه الشر). وقوله تعالى (لقد ظلمك بسؤال نعجتك
(١٣٥)