جاز لنا مثله بالحجة وتجرى هذه الآية مجري قوله تعالى (ان هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا وما تشاؤن إلا أن يشاء الله) وقوله تعالى (وما يذكرون إلا أن يشاء الله) في تعلق الكلام بما قبله. فان قالوا فالآية تدل على مذهبنا وبطلان مذهبكم من وجه آخر وهو انه عز و جل قال (وما تشاؤن إلا أن يشاء الله) وذلك يقتضي انه يشاء الاستقامة في حال مشيئتنا لها لأن أن الخفيفة إذا دخلت على الفعل المضارع اقتضت الاستقبال وهذا يوجب انه يشاء أفعال العباد في كل حال ويبطل ما تذهبون إليه من أنه إنما يريد الطاعات في حال الامر. قلنا ليس في ظاهر الآية إنا لا نشاء إلا ما شاءه الله تعالى في حال مشيئتنا كما ظننتم وإنما يقتضي حصول مشيئته لما نشاؤه من الاستقامة من غير ذكر لتقدم ولا تأخر ويجري ذلك مجري قول القائل ما يدخل زيد هذه الدار إلا أن يدخلها عمرو ونحن نعلم أنه غير واجب بهذا الكلام أن يكون دخولهما في حالة واحدة بل لا يمتنع أن يتقدم دخول عمر ويتلوه دخول زيد وان الخفيفة وإن كانت للاستقبال على ما ذكر فلم يبطل على تأويلنا معنى الاستقبال فيها لأن تقدير الكلام وما تشاؤن الطاعات إلا بعد أن يشاء الله تعالى ومشيئته تعالى قد كانت لها حال الاستقبال وقد ذهب أبو علي الجبائي إلى أنه لا يمتنع أن يريد تعالى الطاعات حالا بعد حال وإن كان قد أرادها في حال الامر كما يصح أن يأمر بها أمرا بعد أمر قال لأنه قد يصح أن يتعلق بإرادته ذلك منا بعد الامر وفي حال الفعل مصلحة ويعلم تعالى انا نكون متى علمنا ذلك كنا إلى فعل الطاعات أقرب وعلى هذا المذهب لا يعترض بما ذكروه . والجواب الأول واضح إذا لم نذهب إلى مذهب أبي علي في هذا الباب على أن اقتضاء الآية للاستقبال من أوضح دليل على فساد قولهم لأن الكلام إذا اقتضى حدوث المشيئة وأبطل استقبالها بل قول من قال منهم انه مريد لنفسه أو مريد بإرادة قديمة وصح ما نقوله من أن ارادته محدثة مجددة. ويمكن في تأويل الآية وجه آخر مع حملنا إياها على العموم من غير أن نخصها بما تقدم ذكره من الاستقامة ويكون المعنى وما تشاؤن شيئا من فعالكم إلا أن يشاء الله تمكينكم من مشيئتكم واقداركم عليها والتخلية بينكم وبينها وتكون الفائدة في ذلك الاخبار عن الافتقار إلى الله تعالى وانه لا قدرة
(٣)