في هذه الآية وجوة. أولها أن يكون قوله تعالى (لما خلقت بيدي) جاريا مجري قوله لما خلقت أنا وذلك مشهور في لغة العرب يقول أحدهم هذا ما كسبت يداك وما جرت عليك يداك فإذا أرادوا نفى الفعل عن الفاعل استعملوا فيه هذا الضرب من الكلام فيقولون فلان لا تمشي قدمه ولا ينطق لسانه ولا تكتب يده وكذلك في الأثبات ولا يكون للفعل رجوع إلى الجوارح في الحقيقة بل الفائدة فيه النفي عن الفاعل. وثانيها أن يكون معنى اليد هاهنا النعمة ولا إشكال في أن أحد محتملات لفظة اليد النعمة. فأما الوجه في تثنيتها فقد قيل فيه ان المراد نعمة الدنيا ونعمة الآخرة فكأنه تعالى قال ما منعك أن تسجد لما خلقت لنعمتي وأراد بالباء اللام. وثالثها أن يكون معنى اليد ههنا القدرة وذلك أيضا معروف من محتملات هذه اللفظة بقول القائل ما لي بهذا الأمر من يد ولا يدان وما يجري مجرى ذلك والمعنى إنني لا أقدر عليه ولا أطيقه وليس المراد بذلك اثبات قدرة على الحقيقة بل اثبات كون القادر قادر ونفى كونه قادر فكأنه تعالى قال ما منعك أن تسجد لما خلقت وأنا قادر على خلقه فعبر عن كونه قادر بلفظ اليد الذي هو عبارة عن القدرة وكل ذلك واضح في تأويل الآية ونعود إلى ما كنا ابتدأنا به من الكلام على شعر مروان. فمن قصيدته التي تقدم بعضها ووقع الكلام عليه مما يختار قوله أحيا أمير المؤمنين محمد * سنن النبي حرامها وحلالها ملك تفرع نبعة من هاشم * مد الإله على الأنام ظلالها جبل لأمته تلوذ بركنه * رادى جبال عدوها فأذزالها لم يغشها مما يخاف عظيمه * الا أجال لها الأمور مجالها حتى يفرجها أغر مهذب * ألفي أباه مفرجا أمثالها ثبت على زلل الحوادث راكب * من صرفهن لكل حال حالها كلتا يديك جعلت فضل نوالها * للمسلمين وفي العدو وبالها وقعت مواقعها بعفوك أنفس * أذهبت بعد مخافة أو جالها
(٢٦)