الكناية لأنها لا تستعمل إلا في العقلاء وما يجرى مجراهم. وقيل إن في قراءة أبي ثم عرضها وفي قراءة عبد الله بن مسعود ثم عرضهن وعلى هاتين القراءتين يصلح أن تكون عبارة عن الأسماء. وقد يبقى في هذه الآية سؤال لم نجد أحدا ممن تكلم في تفسير القرآن ولا في متشابهه ومشكله تعرض له وهو من مهم ما يسأل عنه. وذلك أن يقال من أين علمت الملائكة عليها السلام لما أخبرها آدم عليه الصلاة والسلام بتلك الأسماء صحة قوله ومطابقة الأسماء للمسميات وهي لم تكن عالمة بذلك من قبل إذ لو كانت عالمة لأخبرت بالأسماء ولم تعترف بفقد العلم والكلام يقتضيه لأنهم لما أنبأهم آدم عليه الصلاة والسلام علموا صحتها ومطابقتها للمسميات ولولا ذلك لم يكن لقوله تعالى (ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض) معنى ولا كانوا مستفيدين بذلك نبوته وتمييزه واختصاصه بما ليس لهم لان كل ذلك إنما يتم مع العلم دون غيره. والجواب انه غير ممتنع أن تكون الملائكة عليها السلام في الأول غير عارفين بتلك الأسماء فلما أنبأهم آدم عليه السلام بها فعل الله في الحال العلم الضروري بصحتها ومطابقتها للمسميات لها أما عن طريق أو ابتداء بلا طريق فعلموا بذلك تميزه واختصاصه وليس لأحد أن يقول إن ذلك يؤدى إلى أنهم علموا نبوته اضطرارا وفي هذا منافاة لطريق التكليف وذلك أنه ليس في علمهم بصحة ما أخبر به ضرورة ما يقتضى العلم بالنبوة ضرورة بل بعده درجات ومراتب لا بد من الاستدلال عليها ويجري هذا مجرى أن يخبر أحدنا نبي بما فعل على سبيل التفصيل على وجه تجري به العادة وهو وإن كان عالما بصدق خبره ضرورة لا بد له من الاستدلال فيما بعد على نبوته لان علمه بصدق خبره ليس هو العلم بنبوته لكنه طريق يوصل إليها على ترتيب. ووجه آخر وهو انه لا يمتنع أن يكون للملائكة لغات مختلفة فكل قبيل منهم يعرف أسماء الأجناس في لغته دون لغة غيره إلا أن يكون إحاطة عالم واحد بأسماء الأجناس في جميع لغاتهم خارقة للعادة فلما أراد تعالى التنبيه على نبوة آدم عليه السلام علمه جميع تلك الأسماء فلما أخبرهم بها علم كل فريق مطابقة ما خبر به من الأسماء للغته وهذا لا يحتاج فيه إلي الرجوع إلى غيره وعلم مطابقته ذلك لباقي اللغات يخبر كل قبيل ولا شك في أن كل قبيل إذا كانوا كثيرة وخبروا بشئ
(١٦١)