أن يخفى حتى يحتاج فيه إلى هذا التعليل والتعسف وإنما أراد البحتري ان الانسان بين حالين إما أن يفارق الشباب بالشيب أو العمر بالموت فمن مات شابا وإن كان قد خرج من العمر وخرج بخروجه عن سائر أحوال الحياة من شباب وشيب وغيرهما فإنه لم يفارق الشباب وحده وإنما فارق العمر الذي فارق بمفارقته الشباب وغيره وقسمة الرجل تناولت أحد الأمرين إما مفارقة الشباب وحده بلا واسطة ولا يكون ذلك إلا بالشيب أو مفارقة العمر بالموت وتلخيص كلامه إنه لا بد للحي من شيب أو موت فكأن الشيب والموت متعاقبان والبحتري إنما جعل قوله العمر مقام الحياة والبقاء وإنما قال العمر لأجل القافية مع أنه مبين عن مراده ولو قال ولا بد من ترك الحياة أو ترك الشباب لقام مقام قوله العمر. أخبرنا أبو عبيد الله المرزباني قال حدثني علي بن محمد الكاتب قال حدثنا أحمد بن عبيد الله قال من معاني ابن الرومي التي فتقها قوله يذم من جعل مصيبة غيره مصيبته له وعاب من تعلل بالتأسي بما نال غيره وهو يرثي شبابه وأحسن يا شبابي وأين مني شبابي * آذنتني أيامه بانقضاب لهف نفسي علي نعيمي ولهوى * تحت أفنانه اللدان الرطاب ومعز عن الشباب مؤس * بمشيب اللدات والأصحاب قلت لما انتحى بعيد أساة * بمصاب شبابه كمصاب ليس تأسو كلوم غيري كلومى * ما به ما به وما بي مابي ولابن الرومي لهفي على الدنيا وهل لهفة * تنصف منها إن تلهفتها قبحا لها قبحا علي أنها * أقبح شئ حين كشفتها وقد يعزيني شباب مضى * ولذة للعيش أسلفتها فكرت في خمسين عاما مضت * كانت أمامي ثم خلفتها
(٧٩)