العدل الذي من تخلف عنه لم يصر إلا إلى الجور، وذلك أن دية المرأة خمسة آلاف درهم ودية الرجل عشرة آلاف درهم فإذا قتل أولياء المرأة الرجل قتلوا نفسا ديتها الضعف من دية صاحبتهم فوجب عليهم رد الفاضل من ذلك، ألا ترى أنهم لو أرادوا أخذ الدية لما كان لهم إلا خمسة آلاف درهم فكيف يكون لهم نفس قيمتها في الشريعة عشرة آلاف درهم وإنما لهم من الدية خمسة آلاف درهم.
لكن النظام يجعل المحاسن من غفلته مثالب وهو لا يشعر بذلك، وكذلك القول في أخذ نصف الدية من المقتص من الأعور لأن دية عين الأعور عشرة آلاف درهم ودية فرد عين الصحيح خمسة آلاف، وهذا كالأول.
وأما تخليفه رجلا يصلي العيدين بالضعفاء في المسجد الحرام، فذلك من الأدلة على عدله - عليه السلام - وأنه أعرف الأمة بمعالم الدين وأنواع القضاء لأنه لو كلف الضعفاء بالخروج إلى المصلى لكلفهم فوق الوسع، ولو أنه أسقط عنهم صلاة العيدين لكان قد منعهم فضلا كثيرا فجعل لهم ما يدركون به الفضل ولم يكلفهم ما لا طاقة لهم به، وهذه كلها أمور منصوصة على ما قدمناه.
وأما قوله أنه - عليه السلام - أمرهم أن يحكموا بالباطل إلى أن تجتمع الناس، فقد تجاهل بذلك من قبل أن الحق كان عند الاختلاف، تنفيذ أحكام القوم، ولو أبدله بالحكم بما يوجب التقية العدول عنه لكان الباطل بعينه، ولم يسلك أمير المؤمنين - عليه السلام - في هذا الباب إلا مسلك رسول الله (ص) حيث أمضى أحكام المشركين في الحديبية وكانت ضلالا منهم وشركا وكان إمضاؤه هدى وإيمانا وصوابا وهذا القدر كاف في إسقاط هذه الشناعة.
وأما قوله: إن خلاف طلحة والزبير على أمير المؤمنين - عليه السلام - إنما كان على وجه طلب الشورى وإنهما بايعاه بالمدينة كارهين فهذا هو نفس ما ادعاه الرجلان