الشهوات الدنية وانحرافها عن حدود الشريعة النبوية أشد جاذب للإنسان عن قصد الحق وملاحظة آثاره وأقوى صاد له عن سلوك سبيله ومشاهدة مناره. وطول الأمل وهو صرف عنان الهمة إلى البقاء وزمام العزيمة إلى النعماء وعطف القلب إلى زخارف الدنيا وتفكر زهراتها وتكميل أسبابها وتصور مقتنياتها ودوام اشتغالها بكيفية تحصيلها وكيفية العمل بها بعد حوصلها يستلزم نسيان الآخرة ومثوباتها والغفلة عن ذكر الله وذكر الموت وما بعده من أهوال القيامة ومقاماتها.
ووجه حصر الخوف فيهما أنهما أعظم المهلكات حتى كأنه لا مهلك سواهما. وذلك لأن الإنسان اما سالك طريق الخير، أو سالك طريق الشر. أو واقف بين الطريقين والأول يسمى بالرشد والهداية، والثاني يسمى بالهوى والغواية، ومن البين أن الخوف من الثاني أعظم من الخوف من الثالث وقس عليه حال طول الأمل، وإنما أضاف (عليه السلام) الخوف منهما إلى نفسه القدسية لأنه لما كان هو المتولى لإصلاح حال الخلق والراعي لهم في أمور معاشهم ومعادهم، والأولى بهم من أنفسهم كان الاهتمام بصلاحهم منوطا بهمته العالية فلا جرم نسب الخوف إلى نفسه.
4 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الحسن بن شمون، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: قال لي أبو الحسن (عليه السلام): اتق المرتقى السهل إذا كان منحدره وعرا، قال: وكان أبو عبد الله (عليه السلام) يقول: لا تدع النفس وهواها فإن هواها [في] رداها وترك النفس وما تهوى أذاها وكف النفس عما تهوى دواها.
* الشرح:
قوله (اتق المرتقى السهل إذا كان منحدره وعرا) المرقى والمرتقى والمرقاة: موضع الرقى والصعود من رقيت السلم والسطح والجبل علوته، والمنحدر والحدور - وزان رسول - المكان الذي ينحدر منه أي ينزل من الانحدار وهو النزول تقول حدرت الشيء حدورا من باب قعد فانحدر أي أنزلته فنزل. والوعر الصعب وزنا ومعنى وهذا الكلام البليغ تمثيل لمتابعة النفس في أهوائها والترقي من بعضها إلى بعض وإن كانت صغاير وسهولة ذلك عليها وصعوبة عاقبتها والخروج من عهدتها وأولها بالآخرة إلى الهلاك، بمن يصعد الجبل ويسهل عليه الصعود ثم يصعب عليه النزول بل قد يهلك والغرض أيضا حينئذ سوء العاقبة.
* الشرح:
قوله (لا تدع النفس وهواها فإن هواها [في] رداها وترك النفس وما تهوى أذاها وكف النفس عما تهوى دواها) النفس مائلة إلى هواها وهي منافع حاضرة ولذات ظاهرة تقتضيها القوتان الشهوية والغضبية مثل الشره والحرص وحب المال والجاه والرئاسة والغلبة والنهب والفخر والكبر