شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٩ - الصفحة ٣٨٦
أبي حمزة، عن أبي بصير قال: دخل رجلان على أبي عبد الله (عليه السلام) في مداراة بينهما ومعاملة، فلما أن سمع كلامهما قال: أما إنه ما ظفر أحد بخير من ظفر بالظلم أما إن المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من مال المظلوم، ثم قال: من يفعل الشر بالناس فلا ينكر الشر إذا فعل به، أما إنه إنما يحصد ابن آدم ما يزرع وليس يحصد أحد من المر حلوا ولا من الحلو مرا.
فاصطلح الرجلان قبل أن يقوما.
* الشرح:
قوله (أما إنه ما ظفر أحد بخير من ظفر بالظلم، أما إن المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من مال المظلوم) الخير مضاف إلى «من» وفيه تنبيه على أن المظلومية أفضل الخيرات وبين ذلك بأن المظلوم يأخذ يوم القيامة من حسنات الظالم عوضا مما أخذه الظالم من ماله، وما يأخذه المظلوم أكثر منفعة وأعظم مقدارا لأن منفعته وهي الفوز بالسعادة الأخروية أبدية بخلاف ذلك المال فإن نفعه قليل في زمان يسير. وفيه تحذير للظالم من سوء عاقبة الظلم وتسلية للمظلوم بأن الظالم يسعى في مضرة نفسه (1) ونفع المظلوم كما أشار إليه أيضا أمير المؤمنين (عليه السلام)

١ - قوله «فإنه يسعى في مضرة نفسه» وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) «الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم» وسر قبح الظلم أنه يمنع أفراد الإنسان عن السعي والعمل وإظهار ما أبدع الله تعالى في قريحتهم من الاستعداد للصنايع والعلوم وعن تأديب الناس وسوقهم إلى الآخرة والكمالات الانسانية، والناس في دولة الظلمة خامدون جامدون آيسون من الحياة غير ناشطين للعمل يرون قبالهم في كل شيء مانعا يمنعهم من فعلهم مجبولون على الإطاعة جبرا لغيرهم مسلوبو الإرادة والهمة. والإنسان خلق مختارا مريدا فإذا سلب عنه الاختيار والإرادة قسرا كان كشجرة تحت قبة مظلمة تمنعها نور الشمس والهواء ولا تنبت ولا تثمر. والله تعالى مع أنه خالق للإنسان لم يجبرهم على الخير والدين بل تركهم وما يختارون (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة) واكتفى بالإعذار والإنذار، والظلمة يجبرون الناس على الشر والقبائح وهو خلاف حكمة الله تعالى وقد روى في الحكايات المصنوعة على ألسنة الحكماء أن نية الظالم تدفع بركة الأرض ويمثلون ذلك بملك مر على قرية وكان عطشانا فطلب من بعض أهله ماء فجاءه بشربة من عصير قصبة السكر فسأله الملك عن هذا المقدار من العصير من كم قصبة؟ أجابه بأنه من قصبة واحدة، فنوى الملك أن يزيد الخراج على القصب إذ اعجبه كثرة ارتفاعه ثم ذهب ورجع ثانيا وعطش وطلب العصير من ذلك القروي بعينه فجاءه بالعصير وكان أقل من الأول فسأله هذا من كم قصبة؟ أجاب من ثلاث قصبات فسأله الملك كيف كان عصير قصبة واحدة في المرة الأولى أكثر من عصير ثلاث في هذه المرة وما سره؟ قال الرجل لأن الملك نوى الظلم فزالت البركة، وربما يزعم الجاهل أنها حكاية خرافية ولكنها تعليم حكمي فلسفي وضعه أحد من أعاظم الحكماء قطعا لتمثيل أصل عقلي اجتماعي كما هو شأنهم. وأما علاج الظلم ومداواته فقد جاء به الأنبياء (عليهم السلام) في مقابل الجبابرة وهو تعظيم قدر أفراد الإنسان وأنهم موجودون مكرمون معظمون ولكل واحد واحد منهم حق فردي لا يجوز أن يتعدى عنه، وليس للجبابرة منع أحد عن حقه كلما كان الظالم قادرا والمظلوم ضعيفا وكذلك كان إبراهيم (عليه السلام) وموسى وعيسى وسائر الأنبياء (عليهم السلام) في قبال جبابرة زمانهم. فرسخ هذا الأصل في القلوب والعقول. وفي هذه العصور وضع النصارى قواعد مبنية على هذا الأصل الإلهي ونزعوا من الولاة حق العمل بما يسنح لهم وقيدوهم بما يرضى به الناس وليس لأحد أن يحمل على غيره مالا يرضاه.
ورجع بعضهم إلى مذهب الجبابرة المعاندين للأنبياء ورخصوا الجماعة من الناس جبر غيرهم على خلاف رضاهم وبالجملة مباحث هذا الباب دنيوية وأخروية يليق أن يتكلم فيها ويحقق مسائلها لكن المجال ضيق.
والتفضيل في موضع خاص به أليق وليس لمسلم أن يعرض عن طريقة الأنبياء ويركن إلى الجبابرة لأنه إذا سلب نور الاسلام عن القلوب هوى في ظلمات الجهل إلى المهالك ولا ينفع اسم الاسلام مع اختيار طريقة الجبابرة الكافرين. (ش).
(٣٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 391 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 باب الاستغناء عن الناس 3
2 باب صلة الرحم 6
3 باب البر بالوالدين 19
4 باب الاهتمام بأمور المسلمين والنصيحة لهم ونفعهم 29
5 باب اجلال الكبير 31
6 باب إخوة المؤمنين بعضهم لبعض 33
7 باب فيما يوجب الحق لمن انتحل الايمان وينقضه 38
8 باب في ان التواخي لم يقع على الدين وانما هو التعارف 39
9 باب حق المؤمن على أخيه وأداء حقه 40
10 باب التراحم والتعاطف 51
11 باب زيارة الاخوان 52
12 باب المصافحة 57
13 باب المعانقة 63
14 باب التقبيل 65
15 باب تذاكر الاخوان 67
16 باب ادخال السرور على المؤمنين 71
17 باب قضاء حاجة المؤمن 77
18 باب السعي في حاجة المؤمن 82
19 باب تفريج كرب المؤمن 87
20 باب اطعام المؤمن 89
21 باب من كسا مؤمنا 95
22 باب في إلطاف المؤمن وإكرامه 97
23 باب في خدمته 101
24 باب نصيحة المؤمن 101
25 باب الإصلاح بين الناس 103
26 باب في أحياء المؤمن 105
27 باب في الدعاء للأهل إلى الايمان 107
28 باب في ترك دعاء الناس 108
29 باب أن الله إنما يعطي الدين من يحبه 114
30 باب سلامة الدين 115
31 باب التقية 118
32 باب الكتمان 127
33 باب المؤمن وعلاماته وصفاته 137
34 باب في قلة المؤمن 184
35 باب الرضا بموهبة الايمان والصبر على كل شيء بعده 189
36 باب في سكون المؤمن إلى المؤمن 196
37 باب فيما يدفع الله بالمؤمن 197
38 باب في ان المؤمن صنفان 198
39 باب ما اخذه الله على المؤمن من الصبر على ما يلحقه فيما ابتلي به 201
40 باب شدة ابتلاء المؤمن 206
41 باب فضل فقراء المسلمين 221
42 باب 231
43 باب ان للقلب اذنين ينفث فيهما الملك والشيطان 233
44 باب الروح الذي أيد به المؤمن 239
45 باب الذنوب 241
46 باب استصغار الذنب 279
47 باب الإصرار على الذنب 281
48 باب في أصول الكفر وأركانه 283
49 باب الرياء 291
50 باب طلب الرئاسة 300
51 باب اختتال الدنيا بالدين 304
52 باب من وصف عدلا وعمل بغيره 305
53 باب المراء والخصومة ومعاداة الرجال 306
54 باب الغضب 310
55 باب الحسد 316
56 باب العصبية 321
57 باب الكبر 323
58 باب العجب 332
59 باب حب الدنيا والحرص عليها 337
60 باب الطمع 352
61 باب الخرق 353
62 باب سوء الخلق 354
63 باب السفه 356
64 باب البذاء 358
65 باب من يتقى شره 365
66 باب البغي 367
67 باب الفخر والكبر 369
68 باب القسوة 375
69 باب الظلم 379
70 باب اتباع الهوى 388
71 باب المكر والغدر والخديعة 393
72 باب الكذب 397
73 باب ذي اللسانين 409
74 باب الهجرة 411
75 باب قطعية الرحم 414
76 باب العقوق 418
77 باب الانتفاء 421
78 باب من آذى المسلمين واحتقرهم 421
79 فهرس الآيات 430