المفرد والجمع.
قال الشيخ (رحمه الله): لعلك تظن أن ما تضمنه هذا الحديث من أن الطاعة لأهل المعاصي عبادة لهم جار على ضرب من التجوز لا الحقيقة، وليس كذلك بل هو حقيقة فإن العبادة ليست إلا الخضوع والتذلل والطاعة والانقياد، ولهذا جعل سبحانه اتباع الهوى والانقياد عبادة للهوى فقال تعالى:
(أفرأيت من اتخذ إله هواه) وجعل طاعة الشيطان عبادة له فقال: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدو الشيطان) وذكر بعض الروايات الدالة عليه ثم قال: وإذا كان اتباع الغير والانقياد إليه عبادة له فأكثر الخلق عند التحقيق مقيمون على عبادة أهواء نفوسهم الخسيسة الدنية وشهواتهم البهيمية والسبعية على كثرة أنواعها واختلاف أجناسها وهي أصنامهم التي عليها عاكفون والأنداد التي هم لها من دون الله عابدون، وهذا هو الشرك الخفي نسأل الله سبحانه أن يعصمنا عنه ويطهر نفوسنا بمنه وكرمه.
(وحب الدنيا) هو منبع جميع الرذائل من الأعمال والأخلاق وهو نار في جوهر النفس تحرق جميع الخيرات ويظهر أثرها كما هو بعد الفراق من الدنيا.
(مع خوف قليل وأمل بعيد) طول الأمل من أشد الخصال المذمومة فإنه يورث القساوة ويعمي البصيرة وينسي الآخرة ويزيد الشوق إلى الدنيا والفرح بحصولها.
(وغفلة في لهو ولعب) عطف على خوف، وعطفه على عبادة الطاغوت بعيد. واللهو «بازى كردن وزن وفرزند وباطل وچيزى كه از عمل خير باز دارد». واللعب بفتح اللام وكسر العين «بازى كردن» وبفتحها «بازى كردن» ويمكن تخصيص الأول بالطبل والقمار ونحوها وتخصيص الثاني بغير ذلك والغفلة سبب لهما وهما سببان لثباتها ورسوخها في جوهر النفس. قال الشيخ: «في» إما للظرفية المجازية كما في نحو «النجاة في الصدق» أو بمعنى «مع» كما في قوله تعالى: (ادخلوا في أمم) أو للسببية كقوله تعالى (فذلكن الذي لمتنني فيه).
(قال: كحب الصبي لأمه إذا أقبلت علينا فرحنا وسررنا وإذا أدبرت علينا بكينا وحزنا) قال الشيخ: الشرطيتان واقعتان موضع أي المفسرة لحب الصبي وأمه.
(قال: الطاعة لأهل المعاصي) سمي الطاعة لهم والانقياد لحكمهم والاتباع لأمرهم ونهيهم عبادة لأنه ظهر له بعد الموت أن طاعة أهل المعاصي عبادة لهم حقيقة. قال الشيخ: ما ذكره هذا الرجل المتكلم لعيسى على نبينا وعليه السلام في وصف أصحاب تلك القرية وما كانوا عليه من الخوف القليل والأمل البعيد والغفلة واللهو واللعب والفرح بإقبال الدنيا والحزن بإدبارها هو بعينه حالنا وحال أهل زماننا بل أكثرهم خال عن ذلك الخوف القليل أيضا نعوذ بالله من الغفلة وسوء