لحمه، تقول: عرقت العظم عرقا - من باب قتل - إذا أكلت ما عليه من اللحم، وفي الفائق: أنه العظم عليه اللحم، وهذا جمع غريب لأن فعلا لا يجمع على فعال، وقال ابن فارس: لم يسمع للعرق جمع.
(وذلك أن أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه) ذمهم في طلب غير المحتاج إليه لأنه يوجب ضياع العمر فيما لا يعني وتهيج قوتي الشهوة والغضب وإفسادهما في ملك البدن بل في نظام العالم واستيلاءهما على العقل وعلى عزله في التدبير وتولد الرذائل غير محصورة موجبة للشقاوة الأبدية والغفلة عن الحق وما يقرب منه مثل العلوم الكاملة والأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة الموجبة للسعادة الأبدية التي هي مشاهدة جلال الله والقرب منه، وأما طلب المحتاج إليه وهو القدر الضروري من الطعام واللباس والمسكن ونحوها فليس بمذموم بل ممدوح لأنه لا يمكن بدونه تكميل النفس بالعلم والعمل.
(حيث حسد أخاه فقتله) قيل: قتله حسدا في قبول قربانه، وقيل: حب النساء، وقيل: في حب الدنيا لئلا يكون له نسل يعيرون أولاده في رد قربانه.
(فصرن سبع خصال فاجتمعن كلهن في حب الدنيا) يمكن أن يكون المراد بها الكبر والحرص وحب النساء وحب الرئاسة وحب الراحة وحب الكلام وحب العلو والثروة وهما شعبة واحدة بقرينة عدم ذكر الحب في المعطوف كما ذكر في السوابق، وأما الحسد فقد اكتفى عنه بذكر شعبه وأنواعه إذ الجنس لا وجود له إلا في ضمن أنواعه، والله أعلم.
(والدنيا دنياءان دنيا بلاغ ودنيا ملعونة) المراد بالأولى: قدر الكفاف، وتحصيله من طريق مشروع ممدوح، وبالثانية: الزائد عليه وهو الذي ينبغي التحرز عنه، ولا وجه لتخصيصه بالحرام بل ينبغي منع النفس عن كثير من المباح أيضا لأن في تسمينها به وتحريك القوة الشهوية إليه مضرة كثيرة.
9 - وبهذا الإسناد، عن المنقري، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: في مناجاة موسى (عليه السلام): يا موسى إن الدنيا دار عقوبة، عاقبت فيها آدم عند خطيئته وجعلتها ملعونة، ملعون ما فيها إلا ما كان فيها لي، يا موسى إن عبادي الصالحين زهدوا في الدنيا بقدر علمهم وسائر الخلق رغبوا فيها بقدر جهلهم وما من أحد عظمها فقرت عيناه فيها ولم يحقرها أحد إلا انتفع بها.
* الشرح:
قوله (وجعلتها ملعونة) اللعن: الطرد والإبعاد والسب، وكأن المراد بلعنها لعن أهلها أو كراهتها أو إجراء الكلام على قانون العرب، والعرب تقول لكل شيء ضار: ملعون، والشجرة الملعونة