عندهم هي كل من ذاقها كرهها ولعنها وكذلك حال الدنيا فإن كل من ذاق شهواتها لعنها إذا أحس بضررها (ملعون ما فيها إلا ما كان فيها لي) أي كل ما في الدنيا من الخلق والعمل كائنا ما كان ملعون إلا ما كان لله تعالى وهو المؤمن ومعرفة الله ومعرفة رسله وأوليائه والعلم بأحكامه وشرايعه والعمل بطاعته وترك معصيته وتحصيل الكفاف ورعاية عباده لقصد قربته إلى غير ذلك من القربات التي تبقى بعد الدنيا وتنفع في الآخرة، وينبغي أن يعلم أن ما يقع في الدنيا من الأعمال أربعة أقسام:
الأول ما يكون ظاهره وباطنه لله كالطاعات والخيرات الخالصة، الثاني ما يكون ظاهره وباطنه للدنيا كالمعاصي والمباحات أيضا لأنها مبدأ البطر والغفلة إلا ما شذ، الثالث ما يكون ظاهره لله وباطنه للدنيا كأعمال المرائي وطاعاته، الرابع عكس الثالث كطلب الكفاف لقصد حفظ بقاء البدن والقوة على العبادة وتكميل النفس بالعلم والعمل.
(يا موسى إن عبادي الصالحين زهدوا في الدنيا بقدر علمهم) (1) لعلمهم بأنها سجن المؤمنين ومحبس الصالحين وفي حلالها حساب وفي حرامها عقاب وخيرها مقترن بشرها، وحياتها بموتها، وحلوها بمرها، وخيرها قليل وشرها كثير، ومتاعها سراب، وعامرها خراب; فلذا صرفوا قلوبهم عنها وزهدوا فيها ولم يركنوا إليها.
(وسائر الخلق رغبوا فيها بقدر جهلهم) فكل من كان جهله أتم وأكثر كانت رغبته فيها أشد وأوفر (وما من أحد عظمها فقرت عينه فيها) كيف يسر ويفرح من عظمها وعلق قلبه بنعيمها وهو يعلم أن أولها العناء وأوسطها البلاء وآخرها الفناء وأنها تختلس وتسوق بالفناء سكانها وتحدوا بالموت جيرانها.
(ولم يحقرها أحد إلا انتفع بها) لأنها توصل إليه ما عندها من حظه المقدر ونصيبه المقرر.
10 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن أبي جميلة، عن محمد الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما ذئبان ضاريان في غنم قد فارقها رعاؤها، واحد في أولها وهذا في آخرها بأفسد فيها من حب المال والشرف في دين المسلم.
11 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن منصور بن العباس، عن سعيد بن جناح، عن عثمان بن سعيد، عن عبد الحميد بن علي الكوفي، عن مهاجر الأسدي، عن أبي