(ويوشك أن يخرجوا من ضيق الدنيا إلى ظلمة القبر) فيجدوا ما كانوا فيه من خير وشر حاضرا.
وفيه ترغيب في ترك الدنيا لقلة مدتها وسرعة زوال شدتها، وتحريض على العمل لما بعدها والأعمال الصالحة أنوار تدفع ظلمات القبر والقيامة.
(كيف يكون من أهل العلم من هو في مسيرة إلى آخرته وهو مقبل على دنياه وما يضره أحب إليه مما ينفعه) ما يضره الدنيا وأعمالها المطلوب منها متاعها وما ينفعه هو الآخرة وأعمالها المستلزمة لرفيع درجاتها، ومن أدبر عن الثاني وأقبل إلى الأول وأحب الدنيا والاستكثار منها وصحبة أهلها للجاه والمال فليس بعالم وإنما العالم من عرف الله وعظمته وعزه وقهره وغلبته ودينه وكتابه وسنته وبعثه ذلك على الورع والتقوى والزهد في الدنيا ودوام الهيبة والخشية والعمل لله وهو الذي وصفه الله تعالى بقوله: (إنما يخشى الله من عباده العلماء).
14 - عنه، عن أبيه، عن محمد بن عمرو - فيما أعلم - عن أبي علي الحذاء، عن حريز، عن زرارة ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أبعد ما يكون العبد من الله عز وجل إذا لم يهمه إلا بطنه وفرجه.
* الشرح:
قوله (أبعد ما يكون العبد من الله عز وجل إذا لم يهمه إلا بطنه وفرجه) للبطن والفرج نصيب عقلا وشرعا وهو ما يحتاج إليه في قوام البدن واكتساب العلم والعمل وبقاء النوع ودفع الشهوة المضرة، وأما الزائد عليه فمن طغيان القوة الشهوية وأعظم المهلكات وجواذب النفس عن سبيل الخيرات إلى الشهوات والشبهات وأبلغ أسباب البعد من الله تعالى ومن دار القرار وأكمل أسباب القرب من الفراعنة والدخول في النار ولذلك حذر (عليه السلام) من صرف الهمة إلى تحصيل مقاصدهما لكثرة مفاسدهما. ويدخل في هم البطن البطنة والأكل والشرب من الحرام وصرف الجوارح في تحصيل مقاصده وفي هم الفرج الزنا وما يشبهه والنظر واللمس واستماع الحركات إليه وجميع مقدماته المعينة عليه.
15 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان وعبد العزيز العبدي، عن عبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من أصبح وأمسى والدنيا أكبر همه جعل الله تعالى الفقر بين عينيه وشتت أمره ولم ينل من الدنيا إلا ما قسم الله له ومن أصبح وأمسى والآخرة أكبر همه جعل الله الغني في قلبه وجمع له أمره.
* الشرح:
قوله (من أصبح وأمسى والدنيا أكبر همه جعل الله الفقر بين عينيه) فهو فقير في الآخرة لتقصيره