عبد الله (عليه السلام) قال: مر عيسى بن مريم (عليه السلام) على قرية قد مات أهلها وطيرها ودوابها فقال: أما إنهم لم يموتوا إلا بسخطة ولو ماتوا متفرقين لتدافنوا، فقال الحواريون يا روح الله وكلمته ادع الله أن يحييهم لنا فيخبرونا ما كانت أعمالهم فنجتنبها، فدعا عيسى (عليه السلام) ربه فنودي من الجو أن نادهم، فقام عيسى (عليه السلام) بالليل على شرف من الأرض فقال: يا أهل هذه القرية! فأجابه منهم مجيب: لبيك يا روح الله وكلمته، فقال: ويحكم ما كانت أعمالكم؟ قال: عبادة الطاغوت وحب الدنيا مع خوف قليل وأمل بعيد وغفلة في لهو ولعب، فقال: كيف كان حبكم للدنيا، قال: كحب الصبي لأمه إذا أقبلت علينا فرحنا وسررنا وإذا أدبرت عنا بكينا وحزنا، قال كيف كانت عبادتكم للطاغوت؟
قال: الطاعة لأهل المعاصي، قال: كيف كان عاقبة أمركم؟ قال: بتنا ليلة في عافية وأصبحنا في الهاوية، فقال: وما الهاوية؟ فقال: سجين قال: وما سجين؟ قال: جبال من جمر توقد علينا إلى يوم القيامة، قال: فما قلتم وما قيل لكم؟ قال: قلنا ردنا إلى الدنيا فنزهد فيها، قيل لنا: كذبتم، قال:
ويحك كيف لم يكلمني غيرك من بينهم؟ قال: يا روح الله إنهم ملجمون بلجام من نار بأيدي ملائكة غلاظ شداد وإني كنت فيهم ولم أكن منهم، فلما نزل العذاب عمني معهم فأنا معلق بشعرة على شفير جهنم لا أدري اكبكب فيها أم أنجو منها، فالتفت عيسى (عليه السلام) إلى الحواريين فقال: يا أولياء الله! أكل الخبز اليابس بالملح الجريش والنوم على المزابل خير كثير مع عافية الدنيا والآخرة.
* الشرح:
قوله (أما أنهم لم يموتوا إلا بسخطة بسخط بالتحريك وبالضم والسكون: الغضب.
(ولو ماتوا متفرقين لتدافنوا) قال الشيخ في الأربعين: الظاهر أن التفاعل هنا بمعنى فعل كتواني، ويمكن إبقاؤه على أصل المشاركة بتكلف.
(فنودي من الجو أن نادهم) الجو بالفتح والتشديد: ما بين السماء والأرض، والشرف: المكان العالي والموضع المرتفع.
(فقال ويحكم) ويح اسم فعل بمعنى الترحم كما أن ويل كلمة العذاب وبعض اللغويين يستعمل كلا منهما مكان الأخرى.
(ما كانت أعمالكم؟ قال: عبادة الطاغوت) أصله طغيوت من الطغيان وهو تجاوز الحد في تقدير فعلوت بفتح العين، قدمت الياء على خلاف القياس، وقيل: طيغوت في تقدير فلعوت ثم قلبت الياء ألفا فصار طاغوت، وهو يذكر ويؤنث، ويطلق على الكاهن والشيطان والصنم وعلى كل رئيس في الضلالة وعلى كل ما يصد من عبادة الله تعالى وعلى كل ما عبد من دون الله، وعلى