شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٩ - الصفحة ٢٣٤
فدائما ينتقل من حال إلى حال، وتلك الحوادث والأحوال المسماة بالخواطر محركات للإرادة والأشواق، وهي محركات للعزم والنية، وهي محركة للقوة والقدرة، وهي محركة للأعضاء فيصدر الفعل خيرا كان أو شرا عنهما عن هذه المبادئ المترتبة، وهذا معنى ما روي «أبى الله أن يجري الأشياء إلا بأسبابها (1)» ثم تلك الخواطر المحركة للإرادة تنقسم إلى قسمين (2) قسم يدعو إلى الخيرات وقسم يدعو إلى الشرور فهما خاطران مختلفان فافتقرا إلى اسمين مختلفين، فالخاطر الداعي إلى الخير يسمى إلهاما، والخاطر الداعي إلى الشر يسمى وسواسا، وهما لما كانا حادثين والحادث يحتاج إلى سبب وجب أن تكون أسبابهما القريبة مختلفة، فسبب الالهام يسمى ملكا (3) وسبب الوسواس يسمى

1 - تقدم في كتاب الحجة باب معرفة الإمام ج 5 ص 167.
2 - قوله «تلك الخواطر المحركة للإرادة تنقسم إلى قسمين» يعنى أن كل ما يأتي إليها من طرق حواسه خاطر داع إلى الشر وكل ما يأتي إليها من غير حواسه خاطر داع إلى الخير لأن العقل لا يدعو إلى الشر البتة.
فإن رأيت بعض أفراد الإنسان استعمل عاقلته في جمع حطام الدنيا وتحصيل علوم لا ينفع إلا في الدنيا ويضر بالآخرة فإنما دعاه إلى ذلك حبه للمحسوسات وركونه إليها وعاد الشر إلى الحس بالأخرة (ش).
3 - قوله «فسبب الالهام يسمى ملكا» سبق من الشارح أن داعي الخير يأتي إلى القوة العاقلة من العالم الروحاني وهو عالم الملائكة فلابد أن يكون سبب الإلهام ملكا وأما داعي الشر فمن الحواس ولا يدعو الحس نفسه إلى شيء فإذا أبصر الرجل شيئا فربما لا يتشوق إلى القرب منه ولا إلى الهرب عنه. فالشوق أمر زائد على الحس غير حاصل للحواس الظاهرة ويسمون القوة التي بها يتشوق الحيوان الواهمة، والواهمة قوة جسمانية ولا شيء من الجسم يتغير عن حاله إلا أن يغيره غيره. فلو خلي جسم ونفسه بقي على حاله مستمرا فالواهمة لا تتغير عن حالها ولا تحصل فيها حالة الشوق بعد العدم إلا بسبب، وليس هذا بسبب الحس الظاهر وإلا لكان كل من أحس شيئا اشتاق إليه أو تنفر عنه وليس كذلك فلابد أن يكون السبب شيئا آخر ينضم إلى الحس وباجتماعها يحصل الشوق فإن كان ذلك لسبب هو العقل فهو داع إلى الخير بإلهام الملك، وخارج عن موضوع بحثنا فلابد أن يكون السبب الداعي إلى الشر شيئا آخر غير العقل وهو الشيطان.
ولابد من هذا التفصيل هنا لأن كلام الشارح يوهم أن الشيطان هو نفس الحواس الظاهرة والباطنة وليس مراده ذلك قطعا بل الشيطان موجود آخر مسلط على الحواس غير مسلط على العقل وله سبيل إلى باطن العروق ولا سبيل له إلى داخل القلب، ولما كان أصل كلام الشارح مقتبسا من كلام صدر المتألهين (قدس سره) ننقل كلامه هاهنا توضيحا وتأييدا لما فصلناه; قال في مفاتيح الغيب: إنك تعلم أن هذه الخواطر حادثة وكل حادث لابد له من سبب ومهما اختلفت الحوادث دل على اختلاف الأسباب لكن الاختلاف إن كان بحسب العوارض والخارجيات فيحتاج إلى اختلاف القوابل والاستعدادات وإن كان الاختلاف بحسب الحقائق والمنوعات فيفتقر إلى اختلاف العلل الفاعليات، ولما كان اختلاف الخواطر بحسب الخيرات والشرور وكان الاختلاف بينهما اختلافا حقيقيا ذاتيا فيكون الاختلاف بين مبدأ الالهام ومبدأ الوسواس أيضا كذلك، وهذا مما يشاهد من سنة الله في ترتيب المسببات على الأسباب فمهما استنار حيطان البيت بنور النار وأظلم سقفه بسواد الدخان علمت أن سبب الاسوداد غير سبب الاستنارة كذلك لأنوار القلب وظلماته سببان مختلفان فسبب الخاطر الداعي إلى الخير يسمى ملكا وسبب الخاطر الداعي إلى الشر يسمى شيطانا، واللطف الذي به يتهيأ القلب لقبول إلهام الملك يسمى توفيقا والذي يتهيأ لقبول وسوسة الشيطان يسمى خذلانا، والملك عبارة عن جوهر روحاني نوراني خلقه الله، شأنه إفاضة الخير وإفادة العلم وكشف الحق والوعد بالمعروف وقد سخره الله لذلك، والشيطان عبارة عن موجود روحاني ظلماني شأنه ضد ذلك وهو الوعد بالشر والأمر بالمنكر والتخويف عند الهم بالخير بالفقر ونحوه. انتهى ما أردنا نقله والشارح كما ترى حذف في تعريف الشيطان قوله موجود روحاني ظلماني واكتفى عن ذلك بقوله خلق فصار كلامه موهما (وعذره انصراف لفظ الروحاني إلى الخير) وقالوا يجب الاجتناب في التعريفات عن الكلام المشتبه والمشترك، والخلق يشمل كل شيء حتى المحسوسات والروحاني خاص بالمجردات، وإن أمر بالشر (ش).
(٢٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 باب الاستغناء عن الناس 3
2 باب صلة الرحم 6
3 باب البر بالوالدين 19
4 باب الاهتمام بأمور المسلمين والنصيحة لهم ونفعهم 29
5 باب اجلال الكبير 31
6 باب إخوة المؤمنين بعضهم لبعض 33
7 باب فيما يوجب الحق لمن انتحل الايمان وينقضه 38
8 باب في ان التواخي لم يقع على الدين وانما هو التعارف 39
9 باب حق المؤمن على أخيه وأداء حقه 40
10 باب التراحم والتعاطف 51
11 باب زيارة الاخوان 52
12 باب المصافحة 57
13 باب المعانقة 63
14 باب التقبيل 65
15 باب تذاكر الاخوان 67
16 باب ادخال السرور على المؤمنين 71
17 باب قضاء حاجة المؤمن 77
18 باب السعي في حاجة المؤمن 82
19 باب تفريج كرب المؤمن 87
20 باب اطعام المؤمن 89
21 باب من كسا مؤمنا 95
22 باب في إلطاف المؤمن وإكرامه 97
23 باب في خدمته 101
24 باب نصيحة المؤمن 101
25 باب الإصلاح بين الناس 103
26 باب في أحياء المؤمن 105
27 باب في الدعاء للأهل إلى الايمان 107
28 باب في ترك دعاء الناس 108
29 باب أن الله إنما يعطي الدين من يحبه 114
30 باب سلامة الدين 115
31 باب التقية 118
32 باب الكتمان 127
33 باب المؤمن وعلاماته وصفاته 137
34 باب في قلة المؤمن 184
35 باب الرضا بموهبة الايمان والصبر على كل شيء بعده 189
36 باب في سكون المؤمن إلى المؤمن 196
37 باب فيما يدفع الله بالمؤمن 197
38 باب في ان المؤمن صنفان 198
39 باب ما اخذه الله على المؤمن من الصبر على ما يلحقه فيما ابتلي به 201
40 باب شدة ابتلاء المؤمن 206
41 باب فضل فقراء المسلمين 221
42 باب 231
43 باب ان للقلب اذنين ينفث فيهما الملك والشيطان 233
44 باب الروح الذي أيد به المؤمن 239
45 باب الذنوب 241
46 باب استصغار الذنب 279
47 باب الإصرار على الذنب 281
48 باب في أصول الكفر وأركانه 283
49 باب الرياء 291
50 باب طلب الرئاسة 300
51 باب اختتال الدنيا بالدين 304
52 باب من وصف عدلا وعمل بغيره 305
53 باب المراء والخصومة ومعاداة الرجال 306
54 باب الغضب 310
55 باب الحسد 316
56 باب العصبية 321
57 باب الكبر 323
58 باب العجب 332
59 باب حب الدنيا والحرص عليها 337
60 باب الطمع 352
61 باب الخرق 353
62 باب سوء الخلق 354
63 باب السفه 356
64 باب البذاء 358
65 باب من يتقى شره 365
66 باب البغي 367
67 باب الفخر والكبر 369
68 باب القسوة 375
69 باب الظلم 379
70 باب اتباع الهوى 388
71 باب المكر والغدر والخديعة 393
72 باب الكذب 397
73 باب ذي اللسانين 409
74 باب الهجرة 411
75 باب قطعية الرحم 414
76 باب العقوق 418
77 باب الانتفاء 421
78 باب من آذى المسلمين واحتقرهم 421
79 فهرس الآيات 430