خامصا ما استطاعه، ورأيت أطفاله شعث الألوان من ضرهم كأنما اشمأزت وجوههم من قرهم (1)، فلما عاودني في قوله وكرره، أصغيت إليه سمعي فغره، وظنني أوتغ ديني (2) فأتبع ما سره، أحميت له حديدة لينزجر، إذ لا يستطيع منها دنوا ولا يصبر، ثم أدنيتها من جسمه، فضج من ألمه، ضجيج ذي دنف يئن من سقمه، وكاد يسبني سفها من كظمه، ولحرقة في لظى أضنى له من عدمه، فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل، أتئن من حديدة أحماها إنسانها لمدعبه، وتجرني إلى نار سجرها جبارها من غضبه؟!
أتئن من الأذى، ولا أئن من لظى؟!
والله لو سقطت المكافاة عن الأمم، وتركت في مضاجعها باليات في الرمم (3)، لاستحييت من مقت رقيب يكشف فاضحات من الأوزار تنسخ، فصبرا على دنيا تمر بلأوائها (4) كليلة بأحلامها تنسلخ، كم بين نفس في خيامها ناعمة، وبين أثيم في جحيم يصطرخ؟
ولا تعجب من هذا، واعجب بلا صنع منا، من طارق طرقنا بملفوفات زملها (5) في وعائها، ومعجونة بسطها في إنائها، فقلت له أصدقة، أم نذر، أم زكاة؟ وكل ذلك يحرم علينا أهل بيت النبوة، ومعوضن منه خمس ذي القربى في الكتاب والسنة. فقال لي: لا ذاك ولا ذاك، ولكنه هدية. فقلت له: ثكلتك الثواكل، أفعن دين الله تخدعني بمعجونة غرقتموها بقندكم، وخبيصة (6) صفراء أتيتموني بها بعصير تمركم؟
أمختبط، أم ذو جنة، أم تهجر؟ أليست النفوس عن مثقال حبة من خردل مسؤولة؟
فماذا أقول في معجونة أتزقمها معمولة؟