مريم (عليه السلام) لو سكت عما قالت فيه النصارى لعذبه الله، ولقد تعلم ما يقال فيك من الزور والبهتان، وإمساكك عن ذلك ورضاك به سخط الديان، زعم أوغاد الحجاز ورعاع الناس أنك حبر الدهر وناموسه، وحجة المعبود وترجمانه، وعيبة علمه وميزان قسطه، مصباحه الذي يقطع به الطالب عرض الظلمة إلى ضياء النور، وأن الله لا يقبل من عامل جهل حدك (١) في الدنيا عملا، ولا يرفع له يوم القيامة وزنا، فنسبوك إلى غير حدك (٢)، وقالوا فيك ما ليس فيك، فقل فإن أول من قال الحق جدك، وأول من صدقه عليه أبوك، وأنت حري أن تقتص آثارهما وتسلك سبيلهما.
فقال الصادق (عليه السلام): أنا فرع من فروع الزيتونة، وقنديل من قناديل بيت النبوة، وأديب السفرة، وربيب الكرام البررة، ومصباح من مصابيح المشكاة التي فيها نور النور وصفو الكلمة الباقية في عقب المصطفين إلى يوم الحشر.
فالتفت المنصور إلى جلسائه، فقال: هذا قد أحالني على بحر مواج لا يدرك طرفه، ولا يبلغ عمقه، يحار فيه العلماء، ويغرق فيه السبحاء، ويضيق بالسابح عرض الفضاء، هذا الشجى المعترض في حلوق الخلفاء، الذي لا يجوز نفيه، ولا يحل قتله، ولولا ما يجمعني وإياه شجرة طاب أصلها، وبسق فرعها، وعذب ثمرها، وبوركت في الذر، وقدست في الزبر، لكان مني إليه مالا يحمد في العواقب لما يبلغني من شدة عيبه لنا وسوء القول فينا.
فقال الصادق (عليه السلام): لا تقبل في ذي رحمك وأهل الرعاية من أهل بيتك قول من حرم الله عليه الجنة وجعل مأواه النار، فإن النمام شاهد زور وشريك إبليس في الاغراء بين الناس، وقد قال الله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين﴾ (3). ونحن لك أنصار