في معنى الحيرة الواقعة في هذا الخبر فاحتملوا أن المراد تحير أحمد بن محمد في المذهب، أو خرافته وتغيره في آخر عمره، أو حيرته بعد إخراجه من قم، أو حيرة الناس فيه بعد ذلك، واعتمد أكثرهم على الأول وضعفوه بتوقفه في المذهب، وذلك غفلة عن الاصطلاح المعروف في الحيرة فإن المراد بها حيرة الغيبة ولذلك يسمى زمان الغيبة زمان الحيرة لتحير الناس فيه من جهة غيبة الإمام، أو لوقوع الاختلاف والشك وتفرق الكلمة بعد غيبته، وفي الحديث عن أبي غانم قال: سمعت أبا محمد (ع) يقول: في سنة مائتين وستين تفرق شيعتي، قال أبو غانم: وفيها قبض (ع) وتفرقت شيعته، فمنهم من انتهى إلى جعفر، ومنهم من أتاه وشك، ومنهم من وقف على الحيرة، ومنهم من ثبت على دين الله، وقول محمد بن يحيى: " وددت أن هذا الخبر جاء من غير جهة أحمد بن أبي عبد الله " جار على المعهود من القميين من طعنهم في أحمد بعدم مبالاته في الرواية واعتماده المراسيل وأخذه من الضعفاء وكذا اعتذار الصفار بأنه قد حدثه بهذا الحديث قبل الحيرة بعشر، فإنهما من مشايخ قم ووجوه القميين وقد كانوا سيئ الرأي في أحمد بن أبي عبد الله و بناء الاعتذار إما على أن تغيره عندهم قد كان بعد الغيبة فلا يقدح في المروى عنه قبلها، أو على أن احتمال عدم صحة هذا الخبر إنما يتأتى لو أخبر به بعد الغيبة أما قبلها فلا فإن في الحديث " واشهد على رجل من ولد الحسن (ع) لا يكنى ولا يسمى حتى يظهر أمره فيملأها عدلا كما ملئت جورا " وهذا غيب لا يجترئ عليه عاقل قبل وقوعه مخافة الشنعة والتكذيب وكيف كان فليس المراد حيرته في الإمامة وتوقفه فيمن توقف وإلا لنقل ذلك عنه وكان من أكبر الطعون فيه وروايته لهذا الحديث وغيره من النصوص على الاثني عشر (ع) تنافى ذلك وتخالف غرضه لو كان متوقفا في القائم (ع) وقد يوهم القدح فيه من غير جهة القميين المتسرعين إلى الطعن بأدنى سبب كتاب أبي العباس أحمد بن علي بن نوح السيرافي رحمه الله إلى النجاشي وقد كتب إليه يسأله تعريف الطرق إلى كتب الحسين بن سعيد الأهوازي (رض) قال: والذي سألت تعريفه من الطرق إلى كتب الحسين بن سعيد فقد روى عنه أبو جعفر أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي وأبو جعفر أحمد بن محمد بن خالد البرقي والحسين بن الحسن بن أبان وأحمد بن محمد بن الحسن بن السكن القرشي البردعي وأبو العباس أحمد بن محمد الدينوري قال: فأما ما عليه أصحابنا
(مقدمة المعلق ١٤)