صلى الله عليه وسلم لمعاذ " أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم " فجعل الأغنياء من تجب عليهم الزكاة فدل ذلك على أن من تجب عليه غني ومن لا تجب عليه ليس بغني فيكون فقيرا فتدفع الزكاة إليه لقوله " فترد في فقرائهم " ولان الموجب للزكاة غنى والأصل عدم الاشتراك، ولان من لا نصاب له لا تجب عليه الزكاة فلا يمنع منها كمن له دون الخمسين ووجه الرواية الأولى أنه يجوز أن يكون الغنى المانع من أخذ الزكاة غير الموجب لها بدليل حديث ابن مسعود وهو أخص من حديثهم فيجب تقديمه، ولان فيما ذكرنا جمعا بين الحديثين وهو أولى من التعارض، ولان حديث معاذ إنما يدل على أن من تجب عليه الزكاة غني، أما أنه يدل على أن من لا تجب عليه الزكاة فقير فلا، وعلى هذا فلا يلزم من عدم الغنى وجود الفقر فلا يدل على جواز الدفع إلى غير الغني إذا لم يثبت فقره، وقولهم الأصل عدم الاشتراك قلنا قد قام دليله بما ذكرنا فيجب الاخذ به والله أعلم (فصل) فمن قال الغنى هو الكفاية سوى بين الأثمان وغيرها وجوز الاخذ لكل من لا كفاية له وإن ملك نصبا من جميع الأموال، ومن قال بالرواية الأخرى فرق بين الأثمان وغيرها لحديث ابن مسعود، ولان الأثمان آلة الانفاق المعدة له دون غيرها فجوز الاخذ لكل من لا يملك خمسين درهما ولا قيمتها من الذهب ولا ما تحصل بها الكفاية من مكسب أو أجرة عقار أو غيره، فإن كان له مال معد للانفاق من غير الأثمان فينبغي أن تعتبر الكفاية في حول كامل لأن الحول يتكرر وجوب الزكاة بتكرره فيأخذ منها كل حول ما يكفيه إلى مثله والله أعلم * (مسألة) * (الثالث: العاملون عليها وهم الجباة لها والحافظون لها) العاملون على الزكاة هم الصنف الثالث من أصناف الزكاة وهم السعادة الذين يبعثهم الإمام لاخذها من أربابها وجمعها وحفظها ونقلها ومن يعينهم ممن يسوقها ويرعاها ويحملها، وكذلك الحاسب والكاتب والكيال والوزان والعداد وكل من يحتاج إليه فيها يعطى أجرته منها لأن ذلك من مؤنتها فهو كعلفها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث على الصدقة سعاة ويعطيهم عمالتهم فبعث عمر وأبا موسى وابن اللتبية وغيرهم وليس فيه اختلاف مع ما ورد من نص الكتاب ما يغني عن التطويل * (مسألة) * (ويشترط أن يكون العامل مسلما أمينا من غير ذوي القربى ولا يشترط حريته ولا فقره. وقال القاضي: لا يشترط اسلامه ولا كونه من غير ذوي القربى)
(٦٩٤)