المؤلفة قلوبهم قسمان: كفار ومسلمون، وهم جميعا السادة المطاعون في عشائرهم كما ذكرنا.
فالكفار ضربان (أحدهما) من يرجى إسلامه فيعطى لتقوى نيته في الاسلام وتميل نفسه إليه فيسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة أعطى صفوان بن أمية الأمان واستصبره صفوان أربعة أشهر لينظر في أمره وخرج معه إلى حنين، فلما أعطي النبي صلى الله عليه وسلم العطايا قال صفوان: مالي؟ فأومأ النبي صلى الله عليه وسلم إلى واد فيه إبل محملة فقال " هذا لك " فقال صفوان هذا عطاء من لا يخشى الفقر (والضرب الثاني) من يخشى شره فيرجى بعطيته كف شره وكف شر غيره معه. فروى ابن عباس أن قوما كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فإن أعطاهم مدحوا الاسلام وقالوا هذا دين حسن، وإن منعهم ذموا وعابوا.
وقال أبو حنيفة: انقطع سهم هؤلاء، وهو أحد أقوال الشافعي لما روي أن مشركا جاء يلتمس من عمر مالا فلم يعطه وقال: من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، ولأنه لم ينقل عن عثمان ولا علي أنهم أعطوهم شيئا من ذلك، ولان الله تعالى أظهر الاسلام وقمع المشركين فلا حاجة بنا إلى التأليف عليه ولنا قول الله تعالى (والمؤلفة قلوبهم) وهذه الآية في سورة براءة وهي من آخر ما نزل من القرآن وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى المؤلفة من المشركين والمسلمين وأعطى أبو بكر رضي الله عنه عدي بن حاتم حين قدم عليه من الصدقة بثلاثمائة حمل ثلاثين بعيرا، ومخالفة كتاب الله تعالى وسنة رسوله واطراحها بلا حجة لا يجوز، ولا يثبت النسخ بترك عمر وعثمان وعلي اعطاءهم، ولعلهم لم يحتاجوا لهم فتركوا ذلك لعدم الحاجة إلى اعطائهم لا لسقوط سهمهم ومثل هذا لا يثبت به النسخ والله أعلم وأما المسلمون فأربعة أضرب: (قوم) من سادات المسلمين لهم نظراء من الكفار، أو من المسلمين الذين لهم نية حسنة في الاسلام، فإذا أعطوا رجي اسلام نظرائهم وحسن نياتهم فيجوز اعطاؤهم لأن أبا بكر رضي الله عنه أعطى عدي بن حاتم والزبرقان بن بدر مع حسن نياتهما واسلامهما (الضرب الثاني) سادات مطاعون في قومهم يرجى بعطيتهم قوة ايمانهم ومناصحتهم في الجهاد فيعطون لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عيينة بن حصن والأقرع بن حابس وعلقمة بن علاثة والطلقاء من أهل مكة وقال للأنصار: " يا معشر الأنصار على ما تأسون؟ على لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما لا إيمان لهم وكلتكم إلى إيمانكم " وروى البخاري عن عمرو بن تغلب أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى ناسا وترك ناسا، فبلغه عن الذين ترك أنهم عتبوا فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال " اني أعطي ناسا لما في قلوبهم من الجزع