" مسألة " (ومن كان ذا عيال أخذ ما يكفيهم لما ذكرنا) " مسألة " (ولا يعطي أحد منهم مع الغنى إلا أربعة: العامل والمؤلف والغارم لاصلاح ذات البين والغازي) يجوز للعامل الاخذ مع الغنى بغير خلاف علمناه لأنه يأخذ أجر عمله ولان الله تعالى جعل العامل صنفا غير الفقراء والمساكين فلا يشترط وجود معناهما فيه كما لا يشترط وجود معناه فيهما، وكذلك المؤلف يعطى مع الغنى لظاهر الآية ولأنه يأخذ لحاجتنا إليه أشبه العامل ولأنهم إنما أعطوا لأجل التأليف وذلك يوجد مع الغنى.
والغارم لاصلاح ذات البين والغازي يجوز الدفع إليهم مع الغنى وبهذا قال مالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وابن المنذر. وقال أبو حنيفة وصاحباه لا يدفع إلا إلى الفقير لعموم قوله عليه السلام " أعلمهم ان عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم " فظاهر هذا انها كلها ترد في الفقراء. ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تحل الصدقة إلا لخمسة. لغاز في سبيل الله أو لغارم " وذكر بقيتهم، ولان الله تعالى جعل الفقراء والمساكين صنفين وعد بعدهما ستة أصناف لم يشترط فيهم الفقر فيجوز لهم الاخذ مع الغنى بظاهر الآية ولان هذا يأخذ لحاجتنا إليه أشبه العامل والمؤلف ولان الغارم لاصلاح ذات البين إنما يوثق بضمانه ويقبل إذا كان مليئا ولا ملاءة مع الفقر، فإن أدى الغرم من ماله لم يكن له الاخذ من الزكاة لأنه لم يبق غارما، وإن استدان وأداها جاز له الاخذ لبقاء الغرم (فصل) وخمسة لا يأخذون إلا مع الحاجة وهم الفقراء والمساكين والمكاتب والغارم لمصلحة نفسه في مباح وابن السبيل لأنهم يأخذون لحاجتهم لا لحاجتنا إليهم إلا أن ابن السبيل إنما تعتبر حاجته في مكانه وإن كان له مال في بلده لأنه الآن كالمعدوم، وإذا كان الرجل غنيا وعليه دين لمصلحة لا يطيق قضاءه جاز أن يدفع إليه ما يتم به قضاءه مع ما زاد عن حد الغنى، فإذا قلنا الغنى يحصل بخمسين درهما وله مائة وعليه مائة جاز أن يعطى خمسين ليتم قضاء المائة من غير أن ينقص غناؤه. قال أحمد لا يعطى من عنده خمسون درهما أو حسابها من الذهب إلا مدينا فيعطى دينه، ومتى أمكنه قضاء الدين من غير نقص من الغنى لم يعط شيئا، وان قلنا إن الغنى لا يحصل إلا بالكفاية وكان عليه دين إذا قضاه لم يبق له ما يكفيه أعطي ما يتم به قضاء دينه بحيث يبقى له قدر كفايته بعد قضاء الدين على ما ذكرنا، وان قدر على قضائه مع بقاء الكفاية لم يدفع إليه شئ. وقد روي عن أحمد أنه قال إذا كان له مائتان وعليه مثلها لا يعطى من الزكاة لأن الغنى خمسون درهما وهذا يدل على أنه اعتبر في الدفع إلى الغارم كونه فقيرا، وإذا أعطي للغرم وجب صرفه إلى قضاء الدين، وان أعطي للفقر جاز أن يقضي به دينه