هلا قعدت في بيتك فتنظر أيهدي لك أم لا؟ فأخذ ذلك منه، وجعله في بيت المال. وتعليل النبي (ص) دليل على تحريم الهدية التي سببها الولاية. فتح. قال في البحر: وذكر الهدية ليس احترازيا، إذ يحرم عليه الاستقراض والاستعارة ممن يحرم عليه قبول هديته كما في الخانية ا ه.
قلت: ومقتضاه أنه يحرم عليه سائر التبرعات، فتحرم المحاباة أيضا ولذا قالوا له: أخذ أجرة كتابة الصك بقدر أجر المثل، فإن مفاده أنه لا يحل له أخذ الزيادة لأنها محاباة، وعلى هذا فما يفعله بعضهم من شراء الهدية بشئ يسير أو بيع الصك بشئ كثير لا يحل، وكذا ما يفعله بعضهم حين أخذ المحصول من أنه يبيع به الدافع دواة أو سكينا أو نحو ذلك لا يحل، لأنه إذا حرم الاستقراض والاستعارة فهذا أولى. قوله: (وهي الخ) عزاه في الفتح إلى شرح الأقطع. قوله: (وضعها في بيت المال) أي إلى أن يحضر صاحبها فتدفع له بمنزلة اللقطة كما في الفتح. قوله: (وفيها الخ) أي في التاترخانية، وهذا مخالف لما ذكره أولا فيها في حق الامام، ويؤيد الأول ما مر عن الفتح من أن تعليل النبي (ص) دليل على تحريم الهدية التي سببها الولاية، وكذا قوله: وكل من عمل للمسلمين عملا حكمه في الهدية حكم القاضي ا ه.
مطلب في حكم الهدية للمفتي واعترضه في البحر بما ذكره الشارح عن التاترخانية وبما في الخانية من أنه يجوز للامام والمفتي قبول الهدية وإجابة الدعوة الخاصة، ثم قال: إلا أن يراد بالامام إمام الجامع: أي وأما الامام بمعنى الوالي فلا تحل الهدية فلا منافاة، وهذا هو المناسب للأدلة ولأنه رأس العمال، قال في النهر: والظاهر أن المراد بالعمل ولاية ناشئة عن الامام أو نائبه كالساعي والعاشر ا ه.
قلت: ومثلهم مشايخ القرى والحرف وغيرهم ممن لهم قهر وتسلط على من دونهم، فإنه يهدى إليهم خوفا من شرهم أو ليروج عندهم، وظاهر قوله: ناشئة عن الامام الخ دخول المفتي إذا كان منصوبا من طرف الامام أو نائبه، لكنه مخالف لاطلاقهم جواز قبول الهدية له، وإلا لزم كون إمام الجامع والمدرس المنصوبين من طرف الامام كذلك، إلا أن يفرق بأن المفتي يطلب منه المهدي المساعدة على دعواه ونصره على خصمه فيكون بمنزلة القاضي، لكن يلزم من هذا الفرق أن المفتي لو لم يكن منصوبا من الامام يكون كذلك فيخالف ما صرحوا به من جوازها للمفتي، فإن الفرق بينه وبين القاضي واضح، فإن القاضي ملزم وخليفة عن رسول الله (ص) في تنفيذ الاحكام، فأخذه الهدية يكون رشوة على الحكم الذي يؤمله المهدي ويلزم منه بطلان حكمه، والمفتي ليس كذلك، وقد يقال: إن مرادهم بجوازها للمفتي إذا كانت لعلمه لا لإعانته للمهدي بدليل التعليل الذي نقله الشارح، فإذا كانت لإعانته صدق عليها حد الرشوة، لكن المذكور في حدها شرط الإعانة. وقدمنا عن الفتح عن الأقضية أنه لو أهداه ليعينه عند السلطان بلا شرط لكن يعلم يقينا أنه إنما يهدي ليعينه فمشايخنا على أنه لا بأس به الخ. وهذا يشمل ما إذا كان من العمال أو غيرهم.