قلت: لكن قد علمت أن عدم النفاذ في متروك التسمية مبني على أنه لم يختلف فيه السلف، وأنه لا اعتبار بوجود الخلاف بعدهم، وحينئذ فلا يفيد احتمال الآية أوجها من الاعراب. نعم على ما يأتي من تصحيح اعتبار اختلاف من بعدهم، يقوي هذا البحث ويؤيده ما في الخلاصة من أن القضاء بحل متروك التسمية عمدا جائز عندهما لا عند أبي يوسف، وكذا ما في الفتح عن المنتقى، من أن العبرة في كون المحل مجتهدا فيه اشتباه الدليل لا حقيقة الخلاف، قال في الفتح: ولا يخفى أن كل خلاف بيننا وبين الشافعي أو غيره محل اشتباه الدليل، فلا يجوز نقضه بلا توقف على كونه بين الصدر الأول.
والذي حققه في البحر أن صاحب الهداية أشار إلى القولين، فإنه ذكر أولا عبارة القدوري، وهي:
وإذا رفع إليه حكم حاكم أمضاه، إلا أن يخالف الكتاب أو السنة أو الاجماع وذكر ثانيا عبارة الجامع الصغير، وهي: وما اختلف فيه الفقهاء فقضى به القاضي ثم جاء قاض آخر يرى غير ذلك أمضاه، فما ذكره أصحاب الفتاوى من المسائل الآتية التي لا ينفذ فيها قضاء القاضي مبني على عبارة القدوري، لا على ما في الجامع. ومن قال: لا اعتبار بخلاف مالك والشافعي اعتمد قول القدوري. ومن قال باعتباره اعتمد ما في الجامع. وفي الواقعات الحسامية عن الفقيه أبي الليث، وبه: أي بما في الجامع نأخذ، لكن في شرح أدب القضاء أن الفتوى على ما في القدوري ا ه ملخصا. فقد ظهر قولان مصححان والمتون على ما في القدوري، والأوجه ما في الجامع ولذا رجحه في الفتح كما يأتي أيضا.
قوله: (كتحليل بلا وطئ) أي تحليل المطلقة الثلاث بمجرد عقد المحلل بلا دخول عملا بقول سعيد.
بحر. قوله: (أو إجماعا) المراد منه ما ليس فيه خلاف يستند إلى دليل شرعي. بحر. قوله: (كحل المتعة) أي كالقضاء بصحة نكاح المتعة، كقوله: متعيني بنفسك عشرة أيام فلا ينفذ، بحذف القضاء بصحة النكاح المؤقت بأيام: أي بدون لفظ المتعة، فإنه ينفذ كما في الفتح، وقدمنا عنه في النكاح ترجيح قول زفر بصحة النكاح المؤقت بإلغاء التوقيت فينعقد مؤبدا. قوله: (وكبيع أم ولد الخ) قال شمس الأئمة السرخسي: هذه المسألة تبتني على أن الاجماع المتأخر يرفع الخلاف المتقدم عند محمد، وعندهما لا يرفع: يعني اختلف الصحابة في جواز بيعها، ثم أجمع المتأخرون على عدمه، فكان القضاء به على خلاف الاجماع عند محمد فيبطله القاضي الثاني، وعندهما: لما لم يرفع خلاف الصحابة وقع في محل اجتهاد فلا ينقضه الثاني، لكن قال القاضي أبو زيد في التقويم: إن محمدا روى عنهم جميعا أن القضاء ببيعها لا يجوز فتح.
وذكر في التحرير أن الأظهر من الروايات أنه لا ينفذ عندهم جميعا، لكن ذكر أيضا عن الجامع أنه يتوقف على قضاء قاض آخر، لان الاجماع المسبوق بخلاف مختلف في كونه إجماعا فقيه شبهة كخبر الواحد، فكذا في متعلقه وهو ذلك الحكم المجمع عليه، وقدمنا تمام الكلام على ذلك في باب الاستيلاد. قوله: (ومن ذلك ما لو قضى بشاهد ويمين) مقتضاه أنه لا ينفذ، وإذا رفع إلى قاض آخر أبطله، مع أنه قال في الفتح: فلو قضى بشاهد ويمين لا ينفذ، ويتوقف على إمضاء قاض آخر، ذكره في أقضية الجامع. وفي بعض المواضع ينفذ مطلقا ا ه. وفي ط عن الهندية ذكر في كتاب الاستحسان أنه ينفذ على قول الإمام لا على قول الثاني ا ه. قوله: (لمخالفته الخ) الأولى ذكره عقب المسألة الثانية