ا ه. ثم ذكر مسألة قضاء القاضي مخالفا لرأيه، وأطال الكلام عليها. وسيذكره المصنف في قوله:
قضى في مجتهد فيه بخلاف رأيه الخ، ويأتي الكلام عليها، وهذه غير مسألة اشتراط العلم التي نحن فيها ولم يوفها صاحب البحر حقها، حتى اشتبهت على بعض المحشين فتكلم عليها بما قالوه في المسألة الثانية الآتية، مع أنهما مسألتان متغايرتان، فافهم. ومسألة اشتراط العلم وقع فيها نزاع، وقد ألف فيها العلامة المحقق الشيخ قاسم رسالة:
حاصلها: أن وضع المسألة المذكورة في قضاء القاضي المجتهد في حادثة له فيها رأي مقرر قبل قضائه في تلك الحادثة التي قصد فيها المتفق عليه، فحصل حكمه في المحل المختلف فيه وهو لا يعلم، ثم بان أن قضاءه هذا على خلاف رأيه المقرر قبل هذه الحادثة، فحينئذ لا ينفذ قضاؤه، وأما إذا وافق قضاؤه رأيه في المسألة ولم يعلم حال قضائه أن فيها خلافا، فلم يقل أحد من علماء الاسلام بأنه لا ينفذ قضاؤه، خلافا لمن زعم ذلك، وبيان ذلك بالنصوص الصريحة منها قول الإمام حسام الدين الشهيد في الفتاوى الصغرى: إذا قضى في فصل مجتهد فيه وهو لا يعلم بذلك لا ينفذ، فإنه ذكر في السير الكبير: رجل مات وله مدبرون حتى عتقوا، ثم جاء رجل وأثبت دينا على الميت، فباعهم القاضي على ظن أنهم عبيد وقضى بجوازه ثم ظهر أنهم مدبرون كان قضاؤه بذلك باطلا، وإن مضى في فصل مجتهد فيه وهو جواز بيع المدبر، لكن لما لم يعلم بذلك كان باطلا ا ه.
فعلم أن الضابط أخذ من فرع وقع فيه القضاء على خلاف رأيه السابق، وهو أن المدبر لا يباع، فلذا كان قضاؤه باطلا، وعدم العلم دليل بقاء رأيه السابق، أما لو كان عالما وقضى على خلاف رأيه السابق حمل على تبدل اجتهاده بدليل ما في السير الكبير في باب الفداء الذي يرجع إلى أهله حيث قال:
مات وله رقيق وعليه دين كثير، فباع القاضي رقيقه وقضى دينه، ثم قامت البينة لبعضهم أن مولاه كان دبره، فإن بيع القاضي فيه يكون باطلا، ولو كان القاضي عالما بتدبيره واجتهد وأبطل تدبيره لكونه وصية وباعه في الدين ثم ولي قاض آخر يرى ذلك خطأ فإنه ينفذ قضاء الأول الخ، فعلم أن عدم الاخذ ليس هو لعدم العلم بل لكونه بيع الحر. وقال الحسام أيضا: قال في كتاب الرجوع عن الشهادة:
إذا قضى القاضي بشهادة محدودين في قذف وهو لا يعلم بذلك ثم ظهر لا ينفذ قضاؤه، وهو محمول على محدودين شهدا بعد التوبة كما في قضاء شرح الجامع، ومن المعلوم أن قضاء هذا على خلاف رأيه المقرر قبل ذلك فلذا لم ينفذ، فعدم النفاذ لعدم صحة الشهادة لا لعدم العلم، فإذا ظهر أن هذا في قضاء القاضي المجتهد، وأن اعتبار العلم وعدمه إنما هو للدلالة على البقاء على الاجتهاد الأول أو تبدله، وأنه لو كان على وفق رأيه نفذ، وإن لم يعلم بالخلاف ظهر لك أن اعتبار هذا في القاضي المقلد جهالة فاحشة، وخرق لما أجمعت عليه الأمة في أن المقلد إذا قضى بقول إمامه مستوفيا للشروط نفذ قضاؤه، سواء علم أن في المسألة خلافا أو لا، وصار المختلف فيه بقاؤه متفقا عليه كما صرحت به نصوص المختصرات والمطولات وامتنع نقضه بالاجماع، هذا خلاصة ما في تلك الرسالة.
وحاصله: أن اشتراط كون القاضي المجتهد عالما بالخلاف إنما هو لبيان أن الموضع المختلف فيه الذي لم يقصد الحكم به لعدم علمه به كصحة بيع المدبر، وقبول شهادة المحدود لا يصير محكوما به في ضمن الحكم الذي قصده وهو بيع عبد المديون لقضاء دينه، وقبول شهادة العدل في الصورتين السابقتين ونحوهما، إذ لا وجه لصيرورته محكوما به مع عدم علمه به وقصد له ومع كونه مخالفا لرأيه،