وما ذكره في وجه الاستحسان من أنها وصية هو أحد وجهين في الهداية. قال ولهذا تصح وإن لم يسم المكفول لهم، وإنما تصح إذا كان له مال. الوجه الثاني: أن المريض قائم مقام الطالب لحاجته إليه تفريغا لذمته وفيه نفع للطالب، فصار كما إذا حضر بنفسه، فعلى الأول هي وصية لا كفالة، وعلى الثاني بالعكس. واعترض الأول بأنه يلزم عدم الفرق بين حال الصحة والمرض إلا أن يؤول بأنه في معنى الوصية، وفيه بعد.
واعترض الثاني في البحر بأنه لا فائدة في الكفالة، لأنا حيث اشترطنا وجود المال فالوارث يطالب به على كل حال. وأجاب بأن فائدته تظهر في تفريغ ذمته. تأمل.
قال في النهر: والاستثناء على الأول منقطع وعلى الثاني متصل، ولذا كان أرجح، إلا أن مقتضاه مطالبة الوارث وإن لم يكن للميت مال ا ه.
قلت: الظاهر أن هذا وصية من وجه وكفالة من وجه، فيراعى الشبه من الطرفين لأنهم ذكروا للاستحسان وجهين متنافيين، فعلم أن المراد مراعاتهما بالقدر الممكن وإلا لزم إلغاؤهما. قوله: (الصحة أوجه) أيده في الحواشي السعدية بأن الوارث حيث كان مطالبا بالدين في الجملة كان فيه شبهة الكفالة عن نفسه في الجملة، فكان ينبغي أن لا تجوز كفالته، فإذا جازت لما مر في الوجهين فكفالة الأجنبي وهي سالمة عن هذا المانع أولى أن تصح ا ه. وأقره في النهر. قوله: (وحقق أنها كفالة) أي وبنى عليه صحتها من الأجنبي، لكن يرد عليه إلغاء أحد وجهي الاستحسان، وإذا مشينا على ما قلنا من إعمال الوجهين وتوفير الشبهين بالوصية والكفالة لم يضرنا، لان الأجنبي يصح كونه وصيا وكونه كفيلا، قوله: (لكن يرد عليه توقفها على المال) حيث قد يكون المريض مليا، والكفالة عن المريض لا تتوقف على المال.
قلت: وهذا وارد على كونها كفالة من كل وجه، وقد علمت أن لها شبهين، واشتراط المال مبني على شبه الوصية، كما أن اشتراط المرض مبني على شبه الكفالة دون الوصية. قوله: (لم أره) أصل التوقف لصاحب البحر والجواب لصاحب النهر، ولا يخفى عدم إفادته رفع التوقف لان مبنى التوقف وجود الشبهين. نعم على ما حققه في الفتح من أنها كفالة حقيقة لا ينتظر لكن علمت ما فيه.
وقد يقال: إن اشتراط المال مبني على شبه الوصية دون الكفالة كما علمت، وبه يظهر أنه ليس المراد دفع الورثة من مالهم بل من مال الميت، وذلك يفيد الانتظار، ويفيد أيضا أنه لو هلك المال بعد الموت لا يلزم الورثة لم أره صريحا. قوله: (ولو ضمنه) أي لو ضمن وارث المريض الملي بعد موته في غيبة الطالب. قوله: (ولعله قول الثاني لما مر) أي من تجويزه الكفالة بلا قبول، وهذا الحمل متعين لأنها إذا لم تصح عندهما في حال الصحة لا تصح بعد الموت بالأولى، ولان وجه كونها كفالة في المرض قيام المريض مقام الطالب في القبول. قوله: (اختلفا في الاخبار والانشاء) راجع لمسألة المصنف الأولى: أي إذا قال أنا كفيل زيد فقال الطالب كنت مخبرا بذلك فلا يحتاج لقبولي وقال الكفيل كنت منشئا