ثم قال ما نصه: بشر عن أبي يوسف: رجل أقرض رجلا طعاما أو غصبه إياه وله حمل ومؤنة والتقيا في بلدة أخرى الطعام فيها أغلى أو أرخص: فإن أبا حنيفة قال: يستوثق له من المطلوب حتى يوفيه طعامه حيث غصب أو حيث أقرضه، وقال أبو يوسف: إن تراضيا على هذا فحسن، وأيهما طلب القيمة أجبر الآخر عليه، وهي القيمة في بلد الغصب أو الاستقراض، والقول في ذلك قول المطلوب، ولو كان الغصب قائما بعينه أجبر على أخذه لا على القيمة ا ه. وفيها أيضا: وذكر القدوري في شرحه: إذا استقرض دراهم بخارية، والتقيا في بلدة لا يقدر فيها على البخارية، فإن كان ينفق في ذلك البلد، فإن شاء صاحب الحق أجله قدر المسافة ذاهبا وجائيا واستوثق منه، وإن كان البلد لا ينفق فيها وجب القيمة ا ه.
وقدمنا أول البيوع أن الدراهم البخارية فلوس على صفة مخصوصة، فلذا أوجب القيمة إذا كانت لا تنفق في ذلك البلد لبطلان الثمينة بالكساد، كما قدمناه، وبهذا ظهر أنه لو كانت الدراهم فضتها خالصة أو غالبة كالريال الفرنجي في زماننا فالواجب رد مثلها، وإن كانا في بلدة أخرى، لان ثمنية الفضة لا تبطل بالكساد ولا بالرخص أو الغلاء، ويدل عليه ما قدمناه عن كافي الحاكم من أنه لا ينظر إلى غلاء الدراهم، ولا إلى رخصها هذا ما ظهر لي، فتأمل وانظر ما كتبناه أول البيوع. قوله:
(استقرض شيئا من الفواكه الخ) المراد ما هو كيلي أو وزني إذا استقرضه ثم انقطع عن أيدي الناس قبل أن يقبضه إلى المقرض، فعند أبي حنيفة: يجبر المقرض على التأخير إلى إدراك الجديد ليصل إلى عين حقه، لان الانقطاع بمنزلة الهلاك، ومن مذهبه أن الحق لا ينقطع عن العين بالهلاك، وقال أبو يوسف: هذا لا يشبه كساد الفلوس، لان هذا مما يوجد، فيجبر المقرض على التأخير إلا أن يتراضيا على القيمة، وهذا في الوجه كما لو التقيا في بلد الطعام فيه غال فليس له حبسه، ويوثق له بكفيل حتى يعطيه إياه في بلده، ذخيرة ملخصا. قوله: (بنفس القبض) أي قبل أن يستهلكه. قوله: (خلافا للثاني) حيث قال: لا يملك المستقرض القرض ما دام قائما، كما في المنح آخر الفصل ا ه ح. قوله:
(فله رد المثل) أي لو استقرض كر بر مثلا وقبضه فله حبسه ورد مثله، وإن طلب المقرض رد العين، لأنه خرج عن ملك المقرض، وثبت له في ذمة المستقرض مثله لا عينه ولو قائما. قوله: (بناء على انعقاده الخ) هكذا نقل هذه العبارة هنا في المنح عن البحر، ونقل أيضا عن الزيلعي: أنهم اختلفوا في انعقاده بلفظ القرض، قيل: ينعقد، وقيل: لا، وقيل: الأول قياس قولهما، والثاني: قياس قوله ا ه.
قلت: والعبارتان غير مذكورتين في هذا الفصل من البحر وشرح الزيلعي، وإنما ذكرهما في كتاب النكاح عند قول الكنز: وينعقد بكل ما وضع لتمليك العين في الحال، فالضمير في انعقاده في عبارة البحر المذكورة في الشرح، وعبارة الزيلعي التي نقلناها عائدة على النكاح لا على القرض كما يوهمه كلام الشارح تبعا للمنح، وهذا أمر عجيب، نعم لهذه المسألة مناسبة هنا، وذلك أن ظاهر كلام المتن ترجيح قولهما، فكان المناسب للشارح أن يقول: وعلى هذا ينبغي اعتماد انعقاد النكاح بلفظ القرض، وهو أحد الصحيحين لافادته الملك للحال، فافهم.