تنبيه: محل عدم التحريم إذا كان الماء له ولم يتعين عليه الطهر به بأن وجد غيره، أما إذا لم يكن له كمملوك لغيره أو مسبل أو له وتعين للطهارة بأن دخل الوقت ولم يجد غيره، فإنه يحرم عليه.
فإن قيل: الماء العذب ربوي لأنه مطعوم فلا يحل البول فيه. أجيب: بما تقدم، ويكره أيضا قضاء الحاجة بقرب الماء الذي يكره قضاؤها فيه لعموم النهي عن البول في الموارد، وصب البول في الماء كالبول فيه. (و) يجتنب ذلك ندبا (تحت الشجرة المثمرة) ولو كان التمر مباحا وفي غير وقت الثمرة صيانة لها عن التلويث عند الوقوع فتعافها النفس ولم يحرموه لأن التنجيس غير متيقن، نعم إذا لم يكن عليها ثمر وكان يجري عليها الماء من مطر أو غيره قبل أن تثمر لم يكره كما لو بال تحتها، ثم أورد عليه ماء طهورا، ولا فرق في هذا وفي غيره مما تقدم بين البول والغائط. (و) يجتنب ذلك ندبا (في الطريق) المسلوك لقوله (ص): (اتقوا اللعانين). قالوا وما اللعانان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم تسببا بذلك في لعن الناس لهما كثيرا عادة فنسب إليهما بصيغة المبالغة، إذ أصله اللاعنان فحول الاسناد للمبالغة، والمعنى احذروا سبب اللعن المذكور، ولخبر أبي داود بإسناد جيد: اتقوا الملاعن الثلاث البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل والملاعن مواضع اللعن والموارد طرق الماء والتخلي التغوط وكذا البراز وهو بكسر الباء على المختار وقيس بالغائط البول كما صرح في المهذب وغيره بكراهة ذلك في المواضع الثلاثة. وفي المجموع ظاهر كلام الأصحاب كراهته، وينبغي حرمته للأخبار الصحيحة ولايذاء المسلمين انتهى. والمعتمد ظاهر كلام الأصحاب وقارعة الطريق أعلاه وقيل صدره وقيل ما برز منه أما الطريق المهجور فلا كراهة فيه. (و) يتجنب ذلك ندبا في (الظل) للنهي عن التخلي في ظلهم أي في الصيف، ومثله مواضع اجتماعهم في الشمس في الشتاء (و) في الثقب وهو بضم المثلثة المستدير النازل، للنهي عنه في خبر أبي داود وغيره لما قيل إنه مسكن الجن، ولأنه قد يكون فيه حيوان ضعيف فيتأذى أو قوي فيؤذيه أو ينجسه ومثله السرب وهو بفتح السين والراء الشق المستطيل. قال في المجموع: ينبغي تحريم ذلك للنهي عنه إلا أن يعد لذلك أي لقضاء الحاجة فلا تحريم ولا كراهة، والمعتمد ما مر من عدم التحريم. (ولا يتكلم على البول والغائط) أي يسكت حال قضاء الحاجة فلا يتكلم بذكر ولا غيره أي يكره له ذلك إلا لضرورة كإنذار أعمى فلا يكره، بل قد يجب لخبر: لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان فإن الله يمقت على ذلك رواه الحاكم وصححه، ومعنى يضربان يأتيان والمقت البغض، وهو إن كان على المجموع فبعض موجباته مكروه، فلو عطس حمد الله تعالى بقلبه ولا يحرك لسانه: أي بكلام يسمع به نفسه، إذ لا يكره الهمس ولا التنحنح وظاهر كلامهم أن القراءة لا تحرم حينئذ، وقول ابن كج إنها لا تجوز أي جوازا مستوي الطرفين فتكره. وأن قال الأذرعي اللائق بالتعظيم المنع. ويسن أن لا ينظر إلى فرجه ولا إلى الخارج منه ولا إلى السماء ولا يعبث بيده ولا يلتفت يمينا ولا شمالا. (ولا يستقبل الشمس) ولا (القمر) ببول ولا غائط أي يكره له ذلك (ولا يستدبرهما) وهذا ما جرى عليه ابن المقري في روضه والذي نقله النووي في أصل الروضة عن الجمهور أنه يكره الاستقبال دون الاستدبار. وقال في المجموع: وهو الصحيح المشهور وهذا هو المعتمد، وإن قال في التحقيق إنه لا أصل للكراهة فالمختار إباحته، وحكم استقبال بيت المقدس واستدباره حكم استقبال الشمس والقمر واستدبارهما. ويسن أن يبعد عن الناس في الصحراء وما ألحق بها من البنيان إلى حيث لا يسمع للخارج منه صوت ولا يشم له ريح، فإن تعذر عليه الابعاد عنهم سن لهم الابعاد عنه كذلك، ويستتر عن أعينهم بمرتفع ثلثي ذراع فأكثر بينه وبينه ثلاثة أذرع فأقل لقوله (ص)