وقال في بعيد وملئ وطويل: هو أكثر من شهر، وهذا قول أبي حنيفة:
لان ذلك ضد القليل قال: ولا يجوز حمله على ضده، ولو حمل العمر على أربعين سنة كان حسنا لقوله تعالى مخبرا عن نبيه " فقد لبثت فيكم عمرا من قبله " وكان أربعين سنة ولان العمر في الغالب لا يكون إلا مدة طويلة فلا يحمل على خلاف ذلك (فرع) إذا حلف لا يكلمه الدهر أو الأبد أو الزمان كذلك على الأبد، لان ذلك بالألف واللام وهي للاستغراق فتقتضى الدهر كله.
(مسألة) إذا حلف لا يستخدم فلانا فخدمه وهو ساكت لم يأمره ولم ينهه لم يحنث، لأنه حلف على فعل نفسه، ولا يحنث على فعل غيره كسائر الافعال، وقال أبو حنيفة: إذا كان خادمه حنث، وإن كان خادم غيره لم يحنث، وبه قال القاضي من أصحاب أحمد، لان خادمه يخدمه بحكم استحقاقه ذلك عليه، فيكون معي يمينه، لأمنعنك خدمتي، فإذا لم ينهه لم يمنعه فيحنث وخادم غيره بخلافه، وقال أبو الخطاب: يحنث في الحالين لان إقراره على الخدمة استخدام، ولهذا يقال فلان يستخدم عبده إذا خدمه وإن لم يأمره، ولان ما حنث به في خادمه حنث به في غيره كسائر الأشياء.
(مسألة) مضى كلامنا فيمن حلف على شيئين أو أكثر ففعل بعض ذلك هل يحنث؟ وشرحنا الخلاف في ذلك كمن حلف لا يأكل طعاما اشتراه زيد فأكل طعاما اشتراه زيد وعمرو لا يحنث، وقال أحمد وأبو حنيفة ومالك يحنث، فإن حلف لا يلبس من غزل فلانة فلبس ثوبا من غزلها وغزل غيرها حنث، وبه قال أحمد، وإن حلف لا يلبس ثوبا من غزلها فلبس من غزلها وغزل غيرها فإنه لا يحنث، وهو قول أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد، لأنه لم يلبس ثوبا كاملا من غزلها، أما في الطعام فعلى وجهين مضيا في الفصول آنفا.
(مسألة) إذا حلف لا يدخل دارا فحمل فأدخلها باختياره حنث، فإن لم يكن باختياره ولم يمكنه الامتناع لم يحنث، نص عليه أحمد في رواية أبى طالب، وهو قول أبي ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافا، وذلك لان الفعل غير حاصل منه ولا منسوب إليه، وإن حمل بأمره فأدخلها حنث، لأنه دخلها مختارا