فكان أبلغ في شهرته فاستحب كثرة الجمع وليس ذلك واجبا. وبهذا كله قال أحمد وأبو حنيفة. قال ابن قدامة ولا أعلم فيه مخالفا. قلت إلا فيما يتعلق بالزمان فقد خالفنا فيه أصحاب أحمد وأبو حنيفة. قالوا لان الله تعالى أطلق الامر بذلك ولم يقيده بزمن ولا مكان فلا يجوز تقييده إلا بدليل، ولان النبي صلى الله عليه وسلم أمر الرجل بإحضار امرأته ولم يخصه بزمن، ولو خصه بذلك لنقل ولم يهمل، وخالفهم في ذلك أبو الخطاب من الحنابلة فقال بقولنا ولنا أنه يستحب أن يتلاعنا في الأزمان والأماكن التي تعظم، ولان حديث " ثلاثة لا يكلمهم الله " وقت في الوعيد على من حلف بعد العصر، فاسب أن يراعى هذا استكمالا لكل معاني الردع والزجر.
أما المكان ففيه قولان (أحدهما) أن التغليظ به مستحب كالزمان (والثاني) أنه واجب، لان النبي صلى الله عليه وسلم لاعن عند المنبر فكان فعله بيانا للعان، ومعنى التغليظ بالمكان أنهما إذا كانا بمكة لاعن بينهما بين الركن والمقام فإنه أشرف البقاع، وإن كانا في المدينة فعند منبر النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان ببيت المقدس فعند الصخرة، وإن كان في سائر البلدان ففي مساجدها، وإن كانا كافرين بعث بهما إلى الموضع الذي يعتقدان تعظيمه، وإن كانا يهوديين أو نصرانيين فالكنيسة، وإن كانا غير ذلك - قال القرطبي إن كانا مجوسيين ففي بيت النار، وإن كانا وثنيين أو لا دين لهما ففي مجلس حكمه. وإن كانت المسلمة حائضا وقلنا إن اللعان بينهما يكون في المسجد وقفت على بابه ولم تدخله، لان ذلك أقرب المواضع إليه.
وقال أبو علي بن أبي هريرة لا يصعد الملاعن على المنبر إذ لا يليق بالمنبر أن يصعد عليه ملاعن لشرف المنبر وعلو مكانته، وبكل ما قررنا قال الأئمة كافة ولم أعلم لهم مخالفا.
قال الشافعي في الام في باب " أين يكون اللعان " فإذا لاعن الحاكم بين الزوجين بمكة لاعن بينهما بين المقام والبيت - إلى أن قال - وكذلك يلاعن بين كل زوجين في مسجد كل بلد، ويبدأ فيقيم الرجل قائما وامرأة جالسة، فيلتعن ثم يقيم المرأة قائمة فتلتعن، إلا أن يكون بأحدهما علة لا يقدر على القيام معها