فلو كانت المسألة عادية، ولم يكن في التشريع عناية لقال الخليفة: توضأت كما رأيت رسول الله يتوضأ، وما شابه ذلك من العبارات.
إن طرح عبارات كهذه على لسان الخليفة فيها إشارة نفسية خفية إلى أنه يريد التأكيد على وضوئه، فتراه يرجع فعل الرسول إلى فعله!!!
الثانية: ما نقله من كلام عن رسول الله، وقوله (من توضأ مثل وضوئي هذا) أو (نحو وضوئي هذا) تعني أن له (ص) أكثر من وضوء واحد، فنتساءل: هل كان النبي (ص) يتوضأ بأكثر من طريقة في الوضوء؟ ولماذا نرى تأكيده (ص) على الوضوء الثلاثي بالذات حتى يجعله مما تغفر به الذنوب دون غيره؟
في حين نعلم أن ابن عمر قد روى عن رسول الله، أنه قال عن وضوء المرتين: (من توضأ مرتين أعطاه الله كفلين) ثم أعقبه ببيان الوضوء الثلاثي (هو وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي)، ومعنى ذلك أن الفعل الثلاثي ليس له تعميم لجميع المؤمنين، بل يختص بالرسول والأنبياء من قبله، وقد يحتمل أن يكون من مختصات النبوة، وعليه فإن توقف الغفران على الوضوء الثلاثي دون غيره فيه تأمل، كما هو واضح.
الثالثة: في جملة (لا يحدث فيهما نفسه بشئ) تحمل تزكية للخليفة وصيانة له، فهو يريد إلزام المؤمن المسلم بقبول وضوئه المقترح والأخذ به دون تحديث النفس بشئ أو التشكيك في مشروعيته، وأن مثل هذا التعبد يوجب غفران الذنوب!!
هذا وقد أكد أتباع الخليفة عثمان بن عفان على الوضوء الثلاثي الغسلي بكل الوسائل، ومن ذلك ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص:
روى عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده، عن النبي، أنه قال بعد أن توضأ الوضوء الثلاثي الغسلي قوله (ص): (فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم،