(حدثني يحيى بن مالك، عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه، أنه قال لعبد الله بن زيد بن عاصم، وهو جد عمرو بن يحيى المازني، وكان من أصحاب رسول الله: هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله يتوضأ؟.
فقال عبد الله بن زيد: نعم، فدعا بوضوء، فأفرغ على يده، فغسل يديه مرتين، ثم تمضمض، واستنثر ثلاثا، ثم غسل وجهه ثلاثا، ثم غسل يديه مرتين إلى المرفقين، ثم مسح رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما، حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه) (1).
لم يوقت مالك في الموطأ غسلات الوضوء بمرة ولا مرتين، ولا ثلاث مرات، ولم يبوب بابا في الافراد والتثنية والتثليث، وإنما اقتصر على هذه الرواية التي لم يرد فيها إلا تثليث غسل الوجه وغسل الرجلين، لكن ابن رشد والقرطبي المالكي قال: (اتفق العلماء على الواجب من طهارة الأعضاء المغسولة هو مرة مرة إذا أسبغ وأن الاثنين والثلاث مندوب إليها) (2).
فالمالكية استنتجوا من قول مالك وسائر المرويات أن التثليث أيضا مندوب إليه، وأنه وضوء مجز وإن كان يتحقق فعله بواحدة على نحو الإسباغ.
ولابن العربي في أحكام القرآن تحقيق انفرد به، وهو: (أن قول الراوي إن النبي (ص) توضأ مرتين وثلاثا، إنه أوعب بواحدة، وجاء بالثانية والثالثة زائدة، فإن هذا غيب لا يدركه بشر، وإنما رأى الراوي أن النبي (ص) قد غرف لكل عضو مرة فقال: توضأ مرة، وهذا صحيح صورة ومعنى، ضرورة إنا نعلم قطعا أنه لو لم يوعب العضو بمرة لأعاد، وأما إذا زاد على غرفة واحدة في العضو أو غرفتين فإننا لا نتحقق أنه أوعب الفرض في الغرفة الواحدة وجاء ما بعدها فضلا، أو لم يوعب في الواحدة ولا في الاثنين حتى زاد عليها بحسب الماء وحال الأعضاء في النظافة، وتأتي حصول التلطف في إدارة الماء القليل والكثير عليها، فيشبه - والله