أعلم - أن النبي (ص) أراد أن يوسع على أمته بأن يكرر لهم الفعل، فإن أكثرهم لا يستطيع أن يوعب بغرفة واحدة، فجرى مع اللطف بهم والأخذ لهم بأدنى أحوالهم إلى التخلص، ولأجل هذا لم يوقت مالك في الوضوء مرة ولا مرتين ولا ثلاثا إلا ما أسبغ.
قال: وقد اختلفت الآثار في التوقيت، يريد اختلافا يبين أن المراد معنى الإسباغ لا صورة الأعداد. وقد توضأ النبي (ص) كما تقدم، فغسل وجهه بثلاث غرفات، ويده بغرفتين، لأن الوجه ذو غضون ودحرجة واحديداب، فلا يسترسل الماء عليه في الأغلب من مرة، بخلاف الذراع فإنه مسطح فيسهل تعميمه بالماء وإسالته عليها أكثر مما يكون ذلك في الوجه.
فإن قيل: فقد توضأ النبي (ص) مرة مرة وقال: (هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به)، وتوضأ مرتين مرتين وقال: (من توضأ مرتين مرتين آتاه الله أجره مرتين)، ثم توضأ ثلاثا ثلاثا وقال: (هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي، ووضوء أبي إبراهيم)، وهذا يدل على أنها أعداد متفاوتة زائدة على الإسباغ، يتعلق الأجر بها مضاعفا على حسب مراتبها.
قلنا: هذه الأحاديث لم تصح، وقد ألقيت إليكم وصيتي في كل وقت ومجلس ألا تشتغلوا من الأحاديث لما لا يصح سنده، فكيف ينبني مثل هذا الأصل على أخبار ليس لها أصل، على أن له تأويلا صحيحا، وهو أنه توضأ مرة مرة وقال: (هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به)، فإنه أقل ما يلزم، وهو الإيعاب على ظاهر هذه الأحاديث بحالها، ثم توضأ بغرفتين وقال: (له أجره مرتين في كل تكلف غرفة ثواب)، وتوضأ ثلاثا وقال: (هذا وضوئي)، معناه الذي فعلته رفقا بأمتي وسنة لهم، ولذلك يكره أن يزاد على ثلاث، لأن الغرفة الأولى تسن العضو للماء، وتذهب عنه شعث التصرف، والثانية ترحض {أي تغسل} وضر [الوضر: سوخ الدسم واللبن] العضو، وتدحض وهجه، والثالثة تنظفه، فإن قصرت دربة أحد عن هذا كان بدويا جافيا، فيعلم الرفق حتى يتعلم، ويشرع له سبيل الطهارة حتى ينهض إليها، ويتقدم، ولهذا قال من قال: (فمن زاد على