فاغتسلت وتطيبت ولبست كفني.
فقال أبو جعفر: سبحان الله، ما كنت لأثلم الإسلام وأسعى في نقضه، أوما تراني أسعى في أود الإسلام، واعزاز الدين، عائذا الله مما قلت يا أبا عبد الله، انصرف إلى مصيرك راشدا مهديا وإن أحببت ما عندنا فنحن ممن لا يؤثر عليك أحدا، ولا يعدل بك مخلوقا.
فقلت: إن يجبرني أمير المؤمنين على ذلك فسمعا وطاعة وإن يخيرني أمير المؤمنين اخترت العافية.
فقال: ما كنت لأجبرك ولا أكرهك، انقلب معافى مكلوءا.
قال: فبت ليلتي، فلما أصبحنا أمر أبو جعفر بصرر دنانير في كل صرة خمسة آلاف دينار، ثم دعا برجل من شرطته فقال له: تقبض هذا المال، وتدفع لكل رجل منهم صرة، أما مالك بن أنس إن أخذها فبسبيله وإن ردها لا جناح عليه فيما فعل، وإن أخذها ابن أبي ذؤيب، فأتني برأسه وإن ردها عليك فبسبيله لا جناح عليه، وإن يكن ابن سمعان ردها فأتني برأسه وإن أخذها فهي عافيته.
فنهض إلى القوم، فأما ابن سمعان فأخذها فسلم، وأما ابن أبي ذؤيب فردها فسلم، وأما أنا فكنت والله محتاجا إليها فأخذتها، ثم رحل أبو جعفر متوجها إلى العراق (1).
وجاء في غالب كتب التاريخ أن سفيان الثوري لقي المنصور بمنى سنة 140 أو 144 واعترض على إسراف المنصور وتبذيره..
فقال له المنصور: فإنما تريد أن أكون مثلك؟
فقال الثوري: لا تكن مثلي، ولكن كن دون ما أنت منه، وفوق ما أنا فيه فقال له المنصور: أخرج.
فخرج الثوري من عنده وأتى الكوفة فجعل يأخذ عليه ما يفعل بالمسلمين من الجور والقهر، فصبر عليه المنصور مدة، وأخيرا أمر بأخذه، فاختفى. ولما