مات أبو جعفر 158 ظن الثوري إن الخلاف الذي بينه وبين الحكومة قد دفن معه، وكان قد عاش الشدة حين اختفائه بمكة، فجاء إلى المهدي وسلم عليه تسليم العامة.
فقال له المهدي: يا سفيان، تفر منا ههنا وههنا، وتظن إنا لو أردناك بسوء لم نقدر عليك، فقد قدرنا عليك الآن، إنما تخشى أن نحكم فيك بهوانا؟
قال سفيان: إن تحكم في بحكم، يحكم فيك ملك قادر يفرق بين الحق والباطل.
فقال الربيع للمهدي - وكان قائما على رأس سفيان -: ألهذا الجاهل أن يستقبلك بمثل هذا؟ ائذن لي أن أضرب عنقه.
فقال له المهدي: اسكت ويلك! وهل يريد هذا وأمثاله إلا أن نقتلهم فنشقى بشقاوتهم، اكتبوا عهده على قضاء الكوفة على أن لا يعترض عليه في حكم (1).
فالحكام وبتولية الفقهاء القضاء كانوا يريدون القضاء على شخصيتهم، وما نقلناه كان خير شاهد على ذلك.
فقد نقل المباركفوري في تحفة الأحوذي عن شعيب بن جرير أنه طلب من سفيان الثوري أن يحدثه بحديث السنة، فقال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم:
القرآن كلام غير مخلوق....
إلى أن يقول: يا شعيب لا ينفعك ما كتبت حتى ترى المسح على الخفين، وحتى أن إخفاء بسم الله الرحمن الرحيم أفضل من الجهر، وحتى تؤمن بالقدر، وحتى ترى الصلاة خلف كل بر وفاجر، والجهاد ما مضى إلى يوم القيامة، والصبر تحت لواء السلطان جائرا أو عادلا.
فقلت: يا أبا عبد الله، الصلاة كلها؟
قال: لا، ولكن صلاة الجمعة والعيدين، صل خلف من أدركت، أما سائر ذلك فأنت مخير لا تصلي إلا من تثق به وتعلم أنه من أهل السنة (2).