وغطفان وغفار والأزد وخزاعة وخثعم ومخزوم وبني ضبة وبني الحارث وبني عبد المطلب أخذت ترسل فلذات أكبادها إلى الإمام للتعلم (1) بل نرى كبار العلماء والمحدثين يقصدونه للاستزادة من علمه كيحيى بن سعيد الأنصاري، وابن جريح، ومالك بن أنس، وأبي حنيفة، والثوري، وابن عيينة، وشعبة، وأيوب السجستاني وفضيل بن عياض اليربوعي وغيرهم (2).
وليس هناك أحد يمكنه التعريض بعلم الإمام الصادق والمساس بمكانته، فالجميع يعترفون بأن مدرسته أنجبت خيرة العلماء وصفوة المجتهدين وجهابذة العلم والدين، وإن الحضارة الإسلامية والفكر العربي بالخصوص لمدين لهذا العلم الفطحل.
أما المنصور فكان يسعى - كما ذكرنا - لتضعيف مكانة الصادق علميا واجتماعيا. لكن جهوده ذهبت سدى، لكنه بعد ذلك عرج على شيعة علي والصادق للنيل منهم، فقد نقل عنه إنه أتى الكوفة، قبل تأسيس بغداد، مع خمسمائة من جنده وهو يزعم أن أهلها من شيعة محمد بن عبد الله (النفس الزكية) فأمرهم بصبغ ملابسهم باللون الأسود، حتى قيل بأن دور الصباغة صارت لا تتمكن من القيام بمهامها، وإن البقالين كانوا يصبغون ثيابهم بالأنقاش (المداد) ويلبسون السواد (3).
وكذا نقل عنه إنه استغل - في أوائل خلافته - النزاع الفكري الذي حدث بين أهل العراق وأهل المدينة، فأخذ يقوي جانب العراقيين ويشد أزر الإمام أبي حنيفة وأصحابه ويستغل الموالي ليحط بذلك أنفة العرب، وخصوصا المدنيين منهم الذين كانوا يصرحون بعدم شرعية خلافة بني العباس.